كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٦٨
خلوص داعية إليها (1) كما نقول في امتناع وقوع القبايح من الحكيم تعالى، وكما نقول في عصمة الأنبياء فإن القدرة على ما لا يمكن وقوعه لاعتبار شئ غير ذاته لا يستنكر إنما يستنكر القدرة على ما لا يمكن وقوعه لذاته.
وعن الثاني: إنا لا نقول إن الحكيم تعالى جعل شخصا واحدا بفعله معصوما من غير استحقاق منه لذلك، لكنا نقول: كل من يستحق الألطاف الخاصة التي هي العصمة بكسبه، فهو تعالى يخصه بها ثم الإمام يجب أن يكون من تلك الطايفة فالمكلفون بأسرهم لو استحقوا بكسبهم تلك الألطاف لكانوا كلهم معصومين، فظهر أن الخلل في عدم عصمتهم جميعا راجع عليهم لا عليه تعالى.
وعن الثالث: إن نسبة غير المعصومين إلى النبي صلى الله عليه وآله والقرآن نسبة واحدة فلو جاز أن يكون النبي الموجود في زمان سابق أو القرآن مغنيا لمكلف مع جواز خطأه عن الإمام لجاز في الجميع مثل ذلك، وحينئذ لا يجب احتياجهم جميعا إلى الإمام وقد سبق فساد اللازم فظهر فساد الملزوم.
الثاني: لما ثبت وجوب نصب الإمام على الله تعالى بالطريق الثاني فنقول: إنا نعلم ضرورة أن الحاكم إذا نصب في رعيته من يعرف منه أنه لا يقوم بمصالحهم ولا يراعي فيهم ما لأجله احتاجوا إلى منصوب قبله تستقبح العقول منه ذلك النصب وتنفر عنه، ونصب غير المعصوم من الله تعالى داخل في هذه الحكم (2) فعلمنا أنه لا ينصب غير المعصوم، فكل إمام ينصبه الله

(1) إن من ينظر بعين بصيرته إلى عظم الخالق تعالى وقوة سلطانه وجلالة - قدره، وما أعده لأهل الطاعة من جليل الثواب ولأهل العصيان من أليم العقاب يمنعه عقله من الإقدام على المخالفة خوف النكال والسخط والبطش، فكيف إذا بلغت به المعرفة والقرب إلى أن يكون، والجنة كمن رآها والنار كمن شاهدها، بحيث لو كشف له الغطاء ما ازداد يقينا؟ ويرى من آثار عظمة الخالق وقدرته ما يزيد بصيرة في سلطانه وقوة في قهره وبطشه، أترى مثل هذا تغلب الشهوة أو قوة الغضب على ملموساته ومحسوساته؟ فمن ثم لا يحصل لديه داعي العصيان أبدا وإن قدر عليه.
(2) إن الغرض من نصب الإمام - كما علم مرارا - حاجة البشر إلى المعصوم - لجواز الخطأ عليهم، فلو جاز عليه الخطأ أيضا وجاز أن يكون في نصبه فساد كان نقضا للغرض، فلا بد من أن تستقبح العقول نصب من يخالف القصد والغرض مع العلم بالمخالفة ومع إمكان أن ينصب من يحصل به الغرض وهو المعصوم كيف يتركه إلى غيره، وإلا فهو ليس بحكيم - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - فمن هنا يتضح أن كل إمام مستند إليه نصبه، فهو معصوم.
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست