الحادي والعشرون: وصف الله تعالى كتابه العزيز بأنه هدى للمتقين ووصفه بأنه هدى للناس فلا بد من امتياز المتقين عن الناس في ذلك بعد اشتراكهم فيه فلنبين القدر المشترك بينهم والمميز فنقول الهدى في الاعتقاد والقول والفعل وقوع ذلك كله على الوجه الصواب فهذا هو القدر المشترك وأما المميز فأمور الأول إن هداية المتقين تكون يقينا لا يحوم الشك حوله في شئ من دلالته ودل عليه بقوله: (ولا ريب فيه) الثاني إن جميع المطالب النظرية والعملية فيه مدرجة وقد دل عليه لقوله تعالى: (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) وقوله تعالى: (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) الثالث إن دلالته على هذه كلها يقينية لأن الدلالة إما ظنية أو علمية لأنه لا بد فيها من ترجيح لأن الشك المحض لا دلالة فيه فإما أن يكون الترجيح مانعا من النقيض أولا والثاني الظن والأول إما أن يكون مطابقا أولا والثاني الجهل والأول إما أن يكون ثابتا أو لا والأول هو العلم والثاني هو اعتقاد المقلد للحق فوصف الله تعالى كتابه العزيز بأن دلالته جازمة مطابقة ثابتة فيكون يقينية أما الأولى فلقوله تعالى: (لا ريب فيه) نكرة في معرض نفي فتعم، وأما الثانية فلقوله تعالى: (لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)، وأما الثالثة فلقوله تعالى لا يأتيه الباطل أيضا وأنه (هدى للمتقين) فتخصيصهم بهذا يدل على الثبات وعدم قبول التزلزل، الرابع فعل الطاعات الواجبة التي أمر الله بها وترك جميع المعاصي التي نهى الله تعالى عنها وأشار إليه تعالى بقوله: (اتقوا الله حق تقاته)، إذا تقرر ذلك فنقول هدى غير المتقين وقوع اعتقادهم على الوجه الصواب سواء كان ظنا أو تقليدا أو يقينا ووقوع أقوالهم مطابقة في نفس الأمر وقوع أفعالهم على الوجه الصواب فأعلى مراتب هذا القسم بعد قسم المتقين من حصل له ذلك في كل الاعتقادات والأقوال والأفعال ثم يتلوه من حصل له في الأكثر ومراتبه لا تنحصر فالقسم الأول وهم المتقون هم المعصومون لأنا لا نعني بالعصمة إلا ذلك وغيرهم.
يرجع إليهم ويهتدي بهم فالإمام إما أن يكون من القسم الأول أعني