فاستدراك المفسدة الجزئية بإمام وإهمال المفسدة الكلية مما لا يناسب حكمة الحكيم جل وعلا فلو كان الإمام غير معصوم لزم أن يكون له إمام آخر وينتهي إلى المعصوم وهو المراد أولا ينتهي ويتسلسل هذا خلف.
الحادي عشر: رأفة الله تعالى ورحمته عامة للعباد لقوله تعالى: (والله رؤوف بالعباد) واتفق المسلمون على عمومه والعقل الصريح والحدس الصحيح يشهدان بذلك وقوله تعالى: (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا) وجه الاستدلال أن نقول الله تعالى من على العالمين برأفته ورحمته ببعث النبيين بالكتاب وعلة البعثة الفاعلية اختلاف الناس في التأويل في الأحكام والغاية هو حصول الحق وإزهاق الباطل والحاكم ليس الكتاب بل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لقوله: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات) فإذا كان الاختلاف في نفس الكتاب وتأويله كان الحاكم هو الرسول فعلم من ذلك أن نعم الله تعالى وأعظمها إرسال الرسول لينذر ويبلغ إلى الناس ما أوحى الله من الكتاب ثم يحكم بينهم بعد اختلافهم في تأويله وبعد النبي الاختلاف في التأويل أعظم فإن لم يكن من يقوم مقام النبي في كون قوله حجة وفي وجوب اتباعه وفي طريقته وفي عمله وإفادة قوله اليقين لزم حصول العلة الفاعلية والغائية بدون الشئ مع القدرة والداعي وهو الرأفة بالعباد مع عدم المعلول وهو محال فلا بد من شخص بعد النبي يكون حاله ما ذكرنا وهذه الخصال المذكورة لا تحصل إلا بالمعصوم فوجب القول بعصمة الإمام.
الثاني عشر: قوله تعالى: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) وجه الاستدلال أن قوله تعالى وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه يدل على أن الاختلاف في التأويل لا التنزيل وقوله: (من بعد ما جاءتهم البينات) ليس المراد حصوله لهم بالفعل بل المراد نصب ما يصلح أن يفيد العلم في التأويل حتى يتحقق مجئ البينات وإن الاختلاف بعد ما يفيد العلم يكون بغيا وهو إما عقلي أو نقلي والأول لا يصلح عند