تستقر له العصمة بغير الإمامة، مع حاجته إلى الإمامة، وإنما يكون مفسدا لما اعتمدنا موافقتك لنا على معصوم لم تكن عصمته ثابتة بالإمام، وهو مع ذلك يحتاج إلى إمام على أن ما بينا عليه الدليل ليسقط هذه المعارضة، لأنا عللنا وجوب حاجة الناس إلى المعصوم بعدم العصمة وقضينا بأن من كان معصوما لا يجب حاجته إلى الإمام وإنما يقتضي إذا صح تجويز ذلك فالتجويز لا يقدح فيما اعتمدناه لأن الحاجة إلى الإمام لا تجب للمعصوم، وعن الثاني بأن ما فعله فيما قد علم أنه لا يخل معه بالواجب يغني ويكفي وإذا ثبتت هذه الجملة بطل ما سأل عنه، لأن المعصوم الذي قد علم الله تعالى أنه لا يختار شيئا من القبائح عندما فعله من الألطاف التي ليس من جملتها الإمامة هو مستغن عن إمام يكون عند وجوده أقرب إلى ما ذكره.
وأنا أقول: إن هذين الاعتراضين فيهما تسليم المطلوب لأنه إذا كان المعصوم يحتاج إلى إمام يكون معه أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية بحاجة غير المعصوم أولى وأوكد.
واعترض فخر الدين الرازي على أصل الدليل بأنه مبني على أن الشيئين، إذا لم يكن أحدهما علة في الآخر جاز انفكاك كل واحد منهما عن الآخر وأنتم لم تذكروا عليه حجة بل أعدتم الدعوى لا غير، وهذا الاحتمال لو لم يكن له مثال من الموجودات لافتقر إبطاله إلى البرهان لأنها قضية مفتقرة إلى البيان لعدم ظهورها فإنه ليس من المستبعد أن يكون كل واحد من الشيئين غنيا في ذاته عن الآخر إلا أن حقيقة كل واحد منهما تقتضي أن يحصل لها هذا الوصف أعني معية الآخر وهذا الاحتمال له مثال من الموجودات، فإن الإضافات كالأبوة والبنوة وغيرهما لا يوجدان إلا معا مع أنه ليس لواحد منهما حاجة إلى الآخر، لأن إحدى الإضافتين لو احتاجت إلى الأخرى لتأخر وجود المحتاج عن وجود المحتاج إليه، فلا تكونان معا وهو خلف اتفاقا، لأنا نفرض الكلام في إضافتين متماثلتين كالأخوة والمماسة فإنهما لما تماثلتا لو احتاجت إحديهما إلى الأخرى لاحتاجت الأخرى إلى الأولى واحتاج كل واحدة إلى نفسها وهو محال.