المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ١٥٦
فكل من احتج بحديث عليه أن يعلم صحته قبل أن يستدل به، وإذا احتج به على غيره فعليه بيان صحته، وإذا عرف أن في الكتب الكذب صار الاعتماد على مجرد ما فيها مثل الاستدلال بشهادة الفاسق الذي يصدق ويكذب. ثم لو كان هذا جرى لكان يغني عن الوصية يوم غدير خم (1).
ابن مطهر: روى أحمد ابن حنبل عن ابن عباس قال ليس في القرآن * (يا أيها الذين آمنوا) * إلا وعلي رأسها وأميرها.
ابن تيمية: الجواب المطالبة بصحة النقل، فإنك زعمت أن أحمد بن حنبل رواه وإنما ذا من زيادات القطيعي، رواه عن إبراهيم بن شريك عن زكريا بن يحيى الكسائي حدثنا عيسى عن علي بن بذيمة عن عكرمة عن ابن عباس، فهذا كذب على ابن عباس فإن زكريا ليس بثقة والمتوافر عن ابن عباس تفضيله الشيخين على علي، وله معاتبات ومخالفات لعلي ثم هذا الكلام ما فيه مدح لعلي، فقد قال الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) * [الصف: 2].
فإن كان على رأس هذه الآية فقد عاتبه الله تعالى، وهو مخالف لما في حديثك من أن الله تعالى ما ذكره إلا بخير (2).

(١) هذا الكلام الأولى أن يوجهه ابن تيمية إلى نفسه فهو الذي يرفع شعار التكذيب في مواجهة النصوص التي يحتج بها ابن المطهر عليه بينما يبيح لنفسه الاحتجاج بنصوص لا أساس لها من الصحة.
ولا يصح الاتهام بالكذب في هذا الموضع ما دام للرواية مصدر معروف عند أهل السنة (أسنى المطالب) إنما يصح التكذيب إذا كان ابن المطهر قد أتى بالرواية من عنده. وطعن ابن تيمية واستدلالاته لا تنفي وجود الرواية.
وإذا كان ابن تيمية وغيره من فقهاء السنة يطعنون في مثل هذه الروايات بدعوى صغر سن الراوي وهو هنا ابن عباس وعدم بلوغه في فترة نزول هذه الآيات فيجب عليهم أن يطبقوا هذه القاعدة على عائشة التي روت الكثير عن الفترة المكية فترد نزول الوحي على النبي (ص) وغيرها من الفترات.
(٢) الحديث في مسند أحمد وإن كان ابن تيمية قد طعن في سنده إلا أنه قد روي في مصادر أخرى كثيرة من مصادر أهل السنة مثل كنز العمال ج ٦ / ١٥٣ عن ابن عباس.
والطبراني وابن أبي حاتم. ونقله ابن حجر الهيثمي في صواعقه وابن عساكر.
وما ذكر ابن تيمية من أن المتواتر عن ابن عباس تفضيله الشيخين على علي أي أبي بكر وعمر وله معاتبات ومخالفات لعلي فهو من روايات أهل السنة التي هي من اختراع السياسة لضرب آل البيت.
وقد جاءت مثل هذه الروايات على لسان الإمام علي نفسه. فمن ثم لا يصح أن تكون موضع احتجاج هنا. والشيعة يعتبرون ابن عباس من تلامذة الإمام علي وشيعته ولا يقرون مخالفته ومعاتبته له.
أما استدلال ابن تيمية بقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) * على معاتبة الإمام علي فهو استدلال واه. إذ أن المقصود كثرة ما نزل في الإمام من الآيات التي تستفتح بقوله تعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا..) * والتي هي في دلالاتها وأهدافها خير ومصلحة.
ولو كان ابن تيمية متجرد حسن النية والقصد أمام خصمه ما قال هذا الكلام السطحي الذي لا يعكس لنا شخصيته العدائية ليس للشيعة فقط بل للإمام علي وأئمة آل البيت وما يدل على ذلك محاولته إثبات أن عليا ذكر بالسوء في القرآن في معرض رده حول هذه المسألة حيث قال وقد أنزل الله في علي: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) * لما صلى فقرأ وخلط. وقال النبي: * (وكان الإنسان أكثر شئ جدلا) * لما قال له ولفاطمة: ألا تصليان فقالا: إنما أنفسنا بيد الله..
ولما أراد علي أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة وتأذى الرسول من ذلك قوله تعالى: * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) *..
ومثل هذه الروايات التي نقلها ابن تيمية عن سبب نزول هذه الآيات إنما هي في البخاري وكتب السنن وهي كما هو واضح الهدف منها التشكيك في الإمام علي والحط من قدره وهو هدف ابن تيمية الذي يحاول إثبات أن أبا بكر لم يعاتبه الله في شئ ولا أساء إلى الرسول في شئ وإنما الذي فعل ذلك هو علي.. (انظر منهاج السنة ج 4 / 64: 65)..
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست