شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٢٥١
57 - يذيب الرعب منه كل عضب فلولا الغمد يمسكه لسالا
57 - البيت لأبي العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان، نادرة الزمان، وأوحد الدهر حفظا وذكاء وصفاء نفس، وهو من شعراء العصر الثاني من الدولة العباسية، فلا يحتج بشعره على قواعد النحو والتصريف، والشارح إنما جاء به للتمثيل، لا للاحتجاج والاستشهاد به.
اللغة: " يذيب " من الإذابة، وهي إسالة الحديد ونحوه من الجامدات " الرعب " الفزعوالخوف " عضب " هو السيف القاطع " الغمد " قراب السيف (وجفنه)؟.
الاعراب: " يذيب " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة " الرعب " فاعل يذيب " منه " جار ومجرور متعلق بقوله يذيب " كل " مفعول به ليذيب، وكل مضاف و " عضب " مضاف إليه " فلولا " حرف امتناع لوجود " الغمد " مبتدأ " يمسكه " يمسك: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الغمد، والهاء - التي هي ضمير الغائب العائد إلى السيف - مفعول به، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وستعرف ما في هذا الاعراب من المقال وتوجيهه في بيان الاستشهاد " لسالا " اللام واقعة في جواب " لولا " وسال: فعل ماض، والألف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى السيف، وجملة سال وفاعله لا محل لها من الاعراب جواب لولا.
التمثيل به: في قوله " فلولا الغمد يمسكه " حيث ذكر خبر المبتدأ الواقع بعد لولا - وهو جملة " يمسك " وفاعله ومفعوله - لان ذلك الخبر كون خاص قد دل عليه الدليل وخبر المبتدأ الواقع بعد لولا يجوز ذكره كما يجوز حذفه إذا كان كونا خاصا وقد دل عليه الدليل عند قوم، كما ذكره الشارح العلامة، والجمهور على أن الحذف واجب، وذلك بناء منهم على ما اختاروه من أن خبر المبتدأ الواقع بعد " لولا " لا يكون إلا كونا عاما، وحينئذ لا يقال إما أن يدل عليه دليل أو لا، وعندهم أن بيت المعري هذا لحن لذكر الخبر بعد لولا.
وفي البيت توجيه آخر يصح به على مذهب الجمهور، وهو أن " يمسك " في تأويل مصدر بدل اشتمال من الغمد، وأصله " أن يمسكه " فلما حذف " أن " ارتفع الفعل، كقولهم " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه " فيمن رواه برفع " تسمع " من غير " أن ".
وحاصل القول في هذه المسألة أن النحاة اختلفوا، هل يكون خبر المبتدأ الواقع بعد لولا كونا خاصا أو لا؟ فقال الجمهور: لا يكون كونا خاصا البتة، بل يجب كونه كونا عاما ويجب مع ذلك حذفه، فإن جاء الخبر كونا خاصا في كلام ما فهو لحن أو مؤول، وقال غيرهم، يجوز أن يكون الخبر بعد لولا كونا خاصا، لكن الأكثر أن يكون كونا عاما، فإن كان الخبر كونا عاما وجب حذفه كما يقول الجمهور، وإن كان الخبر كونا خاصا، فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره، وإن دل عليه دليل جاز ذكره وجاز حذفه، فلخبر المبتدأ الواقع بعد لولا حالة واحدة عند الجمهور، وهي وجوب الحذف، وثلاثة أحوال عند غيرهم، وهي: وجوب الحذف، ووجوب الذكر، وجواز الامرين، وقد قدمنا لك أن الواجب حمل كلام الناظم على هذا، لأنه صرح باختياره في غير هذا الكتاب، وقد ذكر الشارح نفسه أن هذا هو اختيار المصنف.