شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ١١١
ذكر في هذين البيتين حكم نون الوقاية مع الحروف، فذكر " ليت " وأن نون الوقاية لا تحذف منها، إلا ندورا، كقوله:
18 - كمنية جابر إذ قال: ليتي * أصادفه وأتلف جل مالي .
18 - هذا البيت لزيد الخير الطائي، وهو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم، وكان اسمه في الجاهلية قبل هذه التسمية زيد الخيل، لأنه كان فارسا.
اللغة: " المنية " بضم فسكون اسم للشئ الذي تتمناه، وهي أيضا اسم للتمني، والمنية المشبهة بمنية جابر تقدم ذكرها في بيت قبل بيت الشاهد، وذلك في قوله:
تمنى مزيد زيدا فلاقى * أخا ثقة إذا اختلف العوالي كمنية جابر، إذ قال: ليتي * أصادفه وأفقد جل مالي تلاقينا، فما كنا سواء * ولكن خر عن حال لحال ولولا قوله: يا زيد قدني *، لقد قامت نويرة بالمآلي شككت ثيابه لما التقينا * بمطرد المهزة كالخلال " مزيد " بفتح الميم وسكون الزاي: رجل من بني أسد، وكان يتمنى لقاء زيد ويزعم أنه إلى لقيه نال منه، فلما تلاقيا طعنه زيد طعنة فولى هاربا " أخا ثقة " أي صاحب وثوق في نفسه واصطبار على منازلة الاقران في الحرب " العوالي " جمع عالية، وهي ما يلي موضع السنان من الرمح، واختلافها: ذهابها في جهة العدو ومجيئها عند الطعن " جابر " رجل من غطفان، كان يتمنى لقاء زيد، فلما تلاقيا قهره زيد وغلبه " وأتلف " يروى " وأفقد ".
الاعراب: " كمنية " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف، والتقدير: تمنى مزيد تمنيا مشابها لمنية جابر، ومنية مضاف و " جابر " مضاف إليه " إذ " ظرف للماضي من الزمان " قال " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى جابر، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها " ليتي " ليت: حرف تمن ونصب، والياء اسمه، مبني على السكون في محل نصب " أصادف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والهاء مفعول به، والجملة في محل رفع خبر ليت " وأفقد " الواو حالية، وأفقد: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، وتقديره: وأنا أفقد، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب حال " جل " مفعول به لا فقد، وجل مضاف ومال من " مالي " مضاف إليه، ومال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " ليتي " حيث حذف نون الوقاية من ليت الناصبة لياء المتكلم، وظاهر كلام المصنف والشارح أن هذا الحذف ليس بشاذ، وإنما هو نادر قليل، وهذا الكلام على هذا الوجه هو مذهب الفراء من النحاة، فإنه لا يلزم عنده أن تجئ بنون الوقاية مع ليت، بل يجوز لك في السعة أن تتركها، وإن كان الاتيان بها أولى، وعبارة سيبويه تفيد أن ترك النون ضرورة حيث قال: " وقد قالت الشعراء " ليتي " إذا اضطروا كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا: " الضاربي " اه، وانظر شرح الشاهد (21) الآتي.
ومثل هذا الشاهد - في حذف نون الوقاية مع ليت - قول ورقة بن نوفل الأسدي:
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم * ولجت وكنت أولهم ولوجا وقد جمع بين ذكر النون وتركها حارثة بن عبيد البكري أحد المعمرين في قوله:
ألا يا ليتني أنضيت عمري * وهل يجدي علي اليوم ليتي؟