لسان العرب - ابن منظور - ج ١٥ - الصفحة ٤٨٦
في الكلام البتة إلا ببة وما عرب كالكك، فإذا بطل انقلابها عن الواو ثبت أنه عن الياء فخرج إلى باب وعوت على الشذوذ. وحكى ثعلب: وويت واوا حسنة عملتها، فإن صح هذا جاز أن تكون الكلمة من واو وواو وياء، وجاز أن تكون من واو وواو وواو، فكان الحكم على هذا وووت، غير أن مجاوزة الثلاثة قلبت الواو الأخيرة ياء وحملها أبو الحسن الأخفش على أنها منقلبة من واو، واستدل على ذلك بتفخيم العرب إياها وأنه لم تسمع الإمالة فيها، فقضى لذلك بأنها من الواو وجعل حروف الكلمة كلها واوات، قال ابن جني: ورأيت أبا علي ينكر هذا القول ويذهب إلى أن الألف فيها منقلبة عن ياء، واعتمد ذلك على أنه إن جعلها من الواو كانت العين والفاء واللام كلها لفظا واحدا، قال أبو علي: وهو غير موجود، قال ابن جني: فعدل إلى القضاء بأنها من الياء، قال: ولست أرى بما أنكره أبو علي على أبي الحسن بأسا، وذلك أن أبا علي، وإن كان كره ذلك لئلا تصير حروفه كلها واوات، فإنه إذا قضى بأن الألف من ياء لتختلف الحروف فقد حصل بعد ذلك معه لفظ لا نظير له، ألا ترى أنه ليس في الكلام حرف فاؤه واو ولامه واو إلا قولنا واو؟ فإذا كان قضاؤه بأن الألف من ياء لا يخرجه من أن يكون الحرف فذا لا نظير له، فقضاؤه بأن العين واو أيضا ليس بمنكر، ويعضد ذلك أيضا شيئان: أحدهما ما وصى به سيبويه من أن الألف إذا كانت في موضع العين فأن تكون منقلبة عن الواو أكثر من أن تكون منقلبة عن الياء، والآخر ما حكاه أبو الحسن من أنه لم يسمع عنهم فيها الإمالة، وهذا أيضا يؤكد أنها من الواو، قال: ولأبي علي أن يقول منتصرا لكون الألف عن ياء إن الذي ذهبت أنا إليه أسوغ وأقل فحشا مما ذهب إليه أبو الحسن، وذلك أني وإن قضيت بأن الفاء واللام واوان، وكان هذا مما لا نظير له، فإني قد رأيت العرب جعلت الفاء واللام من لفظ واحد كثيرا، وذلك نحو سلس وقلق وحرح ودعد وفيف، فهذا وإن لم يكن فيه واو فإنا وجدنا فاءه ولامه من لفظ واحد. وقالوا أيضا في الياء التي هي أخت الواو: يديت إليه يدا، ولم نرهم جعلوا الفاء واللام جميعا من موضع واحد لا من واو ولا من غيرها، قال: فقد دخل أبو الحسن معي في أن أعترف بأن الفاء واللام واوان، إذ لم يجد بدا من الاعتراف بذلك، كما أجده أنا، ثم إنه زاد عما ذهبنا إليه جميعا شيئا لا نظير له في حرف من الكلام البتة، وهو جعله الفاء والعين واللام من موضع واحد، فأما ما أنشده أبو علي من قول هند بنت أبي سفيان ترقص ابنها عبد الله بن الحرث:
لأنكحن ببه جارية خدبه فإنما ببه حكاية الصوت الذي كانت ترقصه عليه، وليس باسم، وإنما هو لقب كقب لصوت وقع السيف، وطيخ للضحك، وددد قوله وددد كذا في الأصل مضبوطا.) لصوت الشئ يتدحرج، فإنما هذه أصوات ليست توزن ولا تمثل بالفعل بمنزلة صه ومه ونحوهما، قال ابن جني: فلأجل ما ذكرناه من الاحتجاج لمذهب أبي علي تعادل عندنا المذهبان أو قربا من التعادل، ولو جمعت واوا على أفعال لقلت في قول من جعل ألفها منقلبة من واو أواء، وأصلها أواو، فلما وقعت الواو طرفا
(٤٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 ... » »»
الفهرست