فأعيد عليه السؤال ثلاثا ويقول ما قال ثم قال في الآخر: قد يقول المسلم كفرا. قال شمر: والكفر أيضا بمعنى البراءة، كقول الله تعالى حكاية عن الشيطان في خطيئته إذا دخل النار: إني كفرت بما أشركتمون من قبل، أي تبرأت. وكتب عبد الملك إلى سعيد بن جبير يسأله عن الكفر فقال: الكفر على وجوه: فكفر هو شرك يتخذ مع الله إلها آخر، وكفر بكتاب الله ورسوله، وكفر بادعاء ولد الله، وكفر مدعي الإسلام، وهو أن يعمل أعمالا بغير ما أنزل الله ويسعى في الأرض فسادا ويقتل نفسا محرمة بغير حق، ثم نحو ذلك من الأعمال كفران: أحدهما كفر نعمة الله، والآخر التكذيب بالله. وفي التنزيل العزيز: إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم، قال أبو إسحق: قيل فيه غير قول، قال بعضهم: يعني به اليهود لأنهم آمنوا بموسى، عليه السلام، ثم كفروا بعزيز ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد، صلى الله عليه وسلم، وقيل: جائز أن يكون محارب آمن ثم كفر، وقيل:
جائز أن يكون منافق أظهر الإيمان وأبطن الكفر ثم آمن بعد ثم كفر وازداد كفرا بإقامته على الكفر، فإن قال قائل: الله عز وجل لا يغفر كفر مرة، فلم قيل ههنا فيمن آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر لم يكن الله ليغفر لهم، ما الفائدة في هذا فالجواب في هذا، والله أعلم، أن الله يغفر للكافر إذا آمن بعد كفره، فإن كفر بعد إيمانه لم يغفر الله له الكفر الأول لأن الله يقبل التوبة، فإذا كفر بعد إيمان قبله كفر فهو مطالب بجميع كفره، ولا يجوز أن يكون إذا آمن بعد ذلك لا يغفر له لأن الله عز وجل يغفر لكل مؤمن بعد كفره، والدليل على ذلك قوله تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، وهذا سيئة بالإجماع. وقوله سبحانه وتعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، معناه أن من زعم أن حكما من أحكام الله الذي أتت به الأنبياء، عليهم السلام، باطل فهو كافر.
وفي حديث ابن عباس: قيل له: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وليسوا كمن كفر بالله واليوم الآخر، قال: وقد أجمع الفقهاء أن من قال: إن المحصنين لا يجب أن يرجما إذا زنيا وكانا حرين، كافر، وإنما كفر من رد حكما من أحكام النبي، صلى الله عليه وسلم، لأنه مكذب له، ومن كذب النبي، صلى الله عليه وسلم، فهو قال كافر. وفي حديث ابن مسعود، رضي الله عنه: إذا الرجل للرجل أنت لي عدو فقد كفر أحدهما بالإسلام، أراد كفر نعمته لأن الله عز وجل ألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا فمن لم يعرفها فقد كفرها. وفي الحديث: من ترك قتل الحيات خشية النار فقد كفر أي كفر النعمة، وكذلك الحديث الآخر: من أتى حائضا فقد كفر، وحديث الأنواء: إن الله ينزل الغيث فيصبح قوم به كافرين، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، أي كافرين بذلك دون غيره حيث ينسبون المطر إلى النوء دون الله، ومنه الحديث: فرأيت أكثر أهلها النساء لكفرهن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: لا ولكن يكفرن الإحسان ويكفرن العشير أي يجحدن إحسان أزواجهن، والحديث الآخر: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، ومن رغب عن أبيه فقد كفر ومن ترك الرمي فنعمة كفرها، والأحاديث من هذا النوع كثيرة، وأصل الكفر تغطية الشئ تغطية تستهلكه.
وقال الليث: يقال إنما سمي الكافر كافرا لأن الكفر غطى قلبه كله، قال الأزهري: ومعنى قول الليث هذا يحتاج إلى بيان يدل عليه وإيضاحه أن الكفر في