وقدم أبو ذر المدينة، لكن لا سياسة عثمان تغيرت، ولا موقف أبي ذر منه، فالاحتجاج كان قائما، والصيحات مستمرة، وقول الحق متواصلا، وكشف المساوئ لم يتوقف. ولما لم يجد الترغيب والترهيب معه، غيرت الحكومة أسلوبها منه، وما هو إلا الإبعاد، لكنه هذه المرة إلى الربذة (1)، وهي صحراء قاحلة حارقة، وأصدر عثمان تعاليمه بمنع مشايعته (2). ولم يتحمل أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه التعاليم الجائرة، فخرج مع أبنائه وعدد من الصحابة لتوديعه (3).
وله كلام عظيم خاطبه به وبين فيه ظلامته (4). وتكلم من كان معه أيضا ليعلم الناس أن الذي أبعد هذا الصحابي الجليل إلى الربذة هو قول الحق ومقارعة الظلم لا غيرها (5).
وكان إبعاد أبي ذر أحد ممهدات الثورة على عثمان (6). وذهب هذا الرجل العظيم إلى الربذة رضي الضمير؛ لأنه لم يتنصل عن مسؤوليته في قول الحق، لكن قلبه كان مليئا بالألم؛ إذ ترك وحده، وفصل عن مرقد حبيبه رسول الله (صلى الله عليه وآله).