وكان من الثلة المعدودة التي رعت حرمة الحق في خضم التغيرات التي طرأت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) (1). وتفانى في الدفاع عن موقع الولاية العلوية الرفيعة، وجعل نفسه مجنا للذب عنه، وكان أحد الثلاثة الذين لم يفارقوا عليا (عليه السلام) قط (2).
ولنا أن نعد من فضائله ومناقبه صلاته على الجثمان الطاهر لسيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام)، فقد كان في عداد من صلى عليها في تلك الليلة المشوبة بالألم والغم والمحنة (3).
وصرخاته بوجه الظلم ملأت الآفاق، واشتهرت في التاريخ؛ فهو لم يصبر على إسراف الخليفة الثالث وتبذيره وعطاياه الشاذة، وانتفض ثائرا صارخا ضدها، ولم يتحمل التحريف الذي افتعلوه لدعم تلك المكرمات المصطنعة، وقدح في الخليفة وتوجيه كعب الأحبار لأعماله وممارساته. فقام الخليفة بنفي صوت العدالة هذا إلى الشام التي كانت حديثة عهد بالإسلام، غير ملمة بثقافته (4).
ولم يطقه معاوية أيضا؛ إذ كان يعيش في الشام كالملوك، ويفعل ما يفعله القياصرة، ضاربا بأحكام الإسلام عرض الجدار، فأقضت صيحات أبي ذر مضجعه (5). فكتب إلى عثمان يخبره باضطراب الشام عليه إذا بقي فيها أبو ذر، فأمر برده إلى المدينة (6)، وأرجعوه إليها على أسوأ حال.