بذلك العلم " علم الكتاب " لنتصور الفارق بين الاثنين، وفيما إذا كان بمقدور الكلمات والصفحات والأقلام أن ترقى إلى بيان علم علي (عليه السلام) مهما بلغت، أو تومئ إلى أبعاده!
كان علم الإمام من السعة بحيث أن شعاعا واحدا منه لو تبلج لكان حريا أن يبهر العقول، ويأخذ بمجامع النفوس، ويبعث برعشة راحت تسري في الأجساد، وذلك قوله (عليه السلام): " اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة ".
لقد برقت عن ينبوع الإمام المعرفي ومكنون علمه ومضات علمية ومعرفية صدرت قبل أربعة عشر قرنا استجابة لمتطلبات ذلك العصر وتلبية لحاجات الموقف إليها - لا أنها صدرت بدافع الواقع ونفس الأمر - راحت تلقي أضواء على بداية الخليقة وانبثاق الوجود، وخلق الملائكة، وخلق السماوات والأرضين، والإنسان، والحيوان، وأعطت رؤى مكثفة في المجتمع، وعلم النفس، والتاريخ، والأدب، وأبدت إشارات في الفيزياء، وعلم الأرض " الجيولوجيا " مما لا يزال يتسم بالجدة والحداثة لدى العلماء المعاصرين رغم التطور والتكامل.
من تكون هذه أثارة من علمه وقبضة من معرفته، كيف يمكن تحديد أبعاد علمه، والوقوف على مكنون معرفته؟
وهل يمكن تحري جميع الجوانب، ومعرفة كافة الزوايا في علم إنسان وقف يصدع بعلو قامته، ويهتف بصلابة ورسوخ: " سلوني قبل أن تفقدوني "، ثم لم يعجز عن جواب سؤال قط، ولم يسجل التاريخ مثيلا لهذه الظاهرة، ولم تعرف الإنسانية في ماضيها وحاضرها من نطق بمثل هذه المقالة أبدا.