ومعدنه ومعانيه، لا يشك عدو ولا صديق أنه أشرف خلق الله نسبا بعد ابن عمه صلوات الله عليه.
وقد حصل له من الشرف غير شرف النسب جهات كثيرة متعددة، قد ذكرنا بعضها، ومع ذلك فكان أشد الناس تواضعا لصغير وكبير، وألينهم عريكة، وأسمحهم خلقا، وأبعدهم عن الكبر، وأعرفهم بحق، وكانت حاله هذه في كلا زمانيه: زمان خلافته، والزمان الذي قبله، لم تغيره الإمرة، ولا أحالت خلقه الرياسة، وكيف تحيل الرياسة خلقه وما زال رئيسا! وكيف تغير الإمرة سجيته وما برح أميرا! لم يستفد بالخلافة شرفا، ولا اكتسب بها زينة!
بل هو كما قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل، ذكر ذلك الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في تاريخه المعروف بالمنتظم: تذاكروا عند أحمد خلافة أبي بكر وعلي وقالوا فأكثروا، فرفع رأسه إليهم، وقال: قد أكثرتم!
إن عليا لم تزنه الخلافة، ولكنه زانها.
وهذا الكلام دال بفحواه ومفهومه على أن غيره ازدان بالخلافة وتممت نقصه، وأن عليا (عليه السلام) لم يكن فيه نقص يحتاج إلى أن يتمم بالخلافة، وكانت الخلافة ذات نقص في نفسها، فتم نقصها بولايته إياها.
ومنها: أن الغالب على ذوي الشجاعة وقتل الأنفس وإراقة الدماء أن يكونوا قليلي الصفح، بعيدي العفو؛ لأن أكبادهم واغرة (1)، وقلوبهم ملتهبة، والقوة الغضبية عندهم شديدة، وقد علمت حال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كثرة إراقة الدم وما