والغالب على أهل الزهد ورفض الدنيا وهجران ملاذها والاشتغال بمواعظ الناس، وتخويفهم المعاد، وتذكيرهم الموت، أن يكونوا ذوي رقة ولين، وضعف قلب، وخور طبع، وهاتان حالتان متضادتان، وقد اجتمعتا له (عليه السلام).
ومنها: أن الغالب على ذوي الشجاعة وإراقة الدماء أن يكونوا ذوي أخلاق سبعية، وطباع حوشية، وغرائز وحشية، وكذلك الغالب على أهل الزهادة وأرباب الوعظ والتذكير ورفض الدنيا أن يكونوا ذوي انقباض في الأخلاق، وعبوس في الوجوه، ونفار من الناس واستيحاش.
وأمير المؤمنين (عليه السلام) كان أشجع الناس وأعظمهم إراقة للدم، وأزهد الناس وأبعدهم عن ملاذ الدنيا، وأكثرهم وعظا وتذكيرا بأيام الله ومثلاته (1)، وأشدهم اجتهادا في العبادة وآدابا لنفسه في المعاملة.
وكان مع ذلك ألطف العالم أخلاقا، وأسفرهم وجها، وأكثرهم بشرا، وأوفاهم هشاشة، وأبعدهم عن انقباض موحش، أو خلق نافر، أو تجهم مباعد، أو غلظة وفظاظة تنفر معهما نفس، أو يتكدر معهما قلب. حتى عيب بالدعابة، ولما لم يجدوا فيه مغمزا ولا مطعنا تعلقوا بها، واعتمدوا في التنفير عنه عليها " وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ". وهذا من عجائبه وغرائبه اللطيفة.
ومنها: أن الغالب على شرفاء الناس ومن هو من أهل بيت السيادة والرياسة أن يكون ذا كبر وتيه وتعظم وتغطرس، خصوصا إذا أضيف إلى شرفه من جهة النسب شرفه من جهات أخرى، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في مصاص (2) الشرف