قال: فلما كان من الغد خرج يمشي، فنزلها بكرة، فأقام بها حتى انتصف النهار يومه ذلك، فلم يوافه منهم رجل واحد، فرجع.
فلما كان من العشي بعث إلى أشراف الناس، فدخلوا عليه القصر وهو حزين كئيب، فقال:
الحمد لله على ما قضى من أمري وقدر من فعلي وابتلاني بكم أيتها الفرقة؛ ممن لا يطيع إذا أمرت ولا يجيب إذا دعوت، لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بصبركم والجهاد على حقكم! الموت والذل لكم في هذه الدنيا على غير الحق، فوالله، لئن جاء الموت - وليأتين - ليفرقن بيني وبينكم، وأنا لصحبتكم قال وبكم غير ضنين، لله أنتم لا دين يجمعكم ولا حمية تحميكم، إذا أنتم سمعتم بعدوكم يرد بلادكم ويشن الغارة عليكم، أو ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة، ويجيبونه في السنة المرتين والثلاث إلى أي وجه شاء، وأنا أدعوكم - وأنتم أولو النهى وبقية الناس - على المعونة وطائفة منكم على العطاء، فتقومون عني وتعصونني وتختلفون علي؟
فقام إليه مالك بن كعب الهمداني ثم الأرحبي فقال:
يا أمير المؤمنين اندب الناس فإنه لا عطر بعد عروس (1)، لمثل هذا اليوم كنت أدخر نفسي، والأجر لا يأتي إلا بالكرة. اتقوا الله وأجيبوا إمامكم وانصروا دعوته وقاتلوا عدوه، أنا أسير إليها يا أمير المؤمنين.