لها مراسا مني! وأشد لها مقاساة! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ثم ها أنا ذا قد ذرفت (١) على الستين، لكن لا أمر لمن لا يطاع.
أم والله، لوددت أن ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه، وإن المنية لترصدني، فما يمنع أشقاها أن يخضبها - وترك يده على رأسه ولحيته - عهد عهده إلي النبي الأمي، وقد خاب من افترى، ونجا من اتقى وصدق بالحسنى.
يا أهل الكوفة! دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلا ونهارا وسرا وإعلانا، وقلت لكم: اغزوهم؛ فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم، وثقل عليكم قولي، واستصعب عليكم أمري، واتخذتموه وراءكم ظهريا، حتى شنت عليكم الغارات، وظهرت فيكم الفواحش والمنكرات تمسيكم وتصبحكم، كما فعل بأهل المثلات (٢) من قبلكم، حيث أخبر الله تعالى عن الجبابرة والعتاة الطغاة، والمستضعفين الغواة، في قوله تعالى: ﴿يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذالكم بلاء من ربكم عظيم﴾ (3). أم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد حل بكم الذي توعدون.
عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم، وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا، ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي، ولكن سيسلط عليكم من بعدي سلطان صعب، لا يوقر كبيركم، ولا يرحم صغيركم،