غمضت عينة ولسانه لهج بذكره تعالى.
هذا ما كان عليه (عليه السلام) في العبادة والذكر والمناجاة ولأجل هذا استمهل (عليه السلام) القوم ليلة عاشوراء التي هي آخر ليلة من عمره الشريف فأراد أن تكون كسائر لياليه الماضية، وليتزود فيها من العبادة بالصلاة والاستغفار والدعاء وقراءة القرآن.
وقد أفصح (عليه السلام) بهذا حين قال لأخيه العباس (عليه السلام) عصر تاسوعاء:
فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة، وتدفعهم عند العشية، لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفر له، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار (1).
فجعل هذه الليلة العظيمة ليلة توديع وتزود من العبادة والمناجاة، فبات - صلوات الله عليه - وأصحابه ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، حتى الصباح فكانت ليلة عبادة ومناجاة كما أرادها (عليه السلام).
قال أحد الشعراء:
قال امهلونا يا طغاة إلى غد * وغدا سيحكم بيننا الصمصام ودعوا سواد الليل أن يلقى بنا * قوما بحب صلاتهم قد هاموا والله يعلم أن سبط محمد * ما راعه كر ولا إقدام لكنه يهوى الصلاة لربه * وله بها رغم الخطوب غرام (2) وقال آخر:
خيم الليل فالعبادة وهج * يتمنى ألا يضئ الصديع