إليهم إن هم بايعوا رسوله مسلم بن عقيل، وما الذي يمنع من مسيرته طالما أن أهل الكوفة قد أعطوه البيعة، وطالما أن له طائفة كبيرة من الأنصار والمؤيدين في البصرة، فالكوفة والبصرة عمليا هما العراق في تلك الأيام.
من مكة إلى العراق:
مكث الإمام الحسين في مكة أربعة أشهر استطاع خلالها أن يبسط قضيته العادلة أمام الخاصة والعامة من سكان مكة ومن حولها، وأن يقيم الحجة عليهم، وشهد أهل مكة ومن حولها على أنفسهم من حيث لا يشعرون، وخلال هذه الفترة إلتقى الإمام الحسين مع زوار بيت الله الحرام من معتمرين وحجاج، فأحاطهم علما بواقعة وطموحاته الشرعية وحاجته منهم.
واستجاب الإمام لمنطق الأمور، فطاف وسعى، وأحل إحرامه وجعل حجة عمرة، لأنه لم يتمكن من إتمام الحج مخافة أن يقبض عليه (1) وبعد ذلك جمع الإمام أهل بيته وأصحابه وخطب فيهم قائلا: " الحمد لله ما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على رسوله، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، ما أولهني إلى أسلافي، اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات... لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفينا أجر الصابرين.... " (2).
وبعد ذلك أمر أهله وأصحابه بالاستعداد للمسير إلى العراق حسب القراءة الموضوعية فإن الإمام سيقدم على جند مجندة له، وإن أكثرية أهل العراق معه، وحسب هذا الظاهر فما كان ينبغي للإمام أن يكون بهذه الحالة من التشاؤم، فهو يركز تركيزا عجيبا على فكرة الموت، وحتمية الموت، وأنه قدر خط بالقلم، ويبدي آلام حنينه وأشواقه إلى لقاء الخالدين من أسلافه، بل وأبعد من ذلك فإنه