كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ٢٢٢
معي شئ، وأن الناس لا يعدلوه بي، فود أني خرجت منها لتخلو له " (1). هذه نماذج من مقابلة الإمام لبعض ملأ القوم في مكة.
ويبدو واضحا أن عبد الله بن عباس مشفق وناصح، وصادق العاطفة نحو الإمام الحسين، ولكن شيخوخته وطعنه في السن إلى جانب مرضه وفقدانه لبصره قد منعاه من الخروج معه.
أما عبد الله بن عمر فهو يطمع بالخلافة ذات يوم، ولم لا؟ فهو ابن عمر الذي قاد بطون قريش ال‍ 23، وواجه النبي نفسه، وعين الخليفة الذي أراد، ثم ورث دولة مستقرة بعد موت الخليفة الأول، وبقدرة قادر صار حبيب الجماهير وفاتنها، لقد ورث ابن عمر تاريخا، لكنه لا يريد أن يخرج كما خرج الإمام الحسين، فلو خرج مع الإمام الحسين لكان خروجه لمصلحة غيره!! ولدخل في مقامرة قد تنجح ويأخذ ثمرتها غيره، أو لا تنجح فيدفع ضريبة هو في غنى عنها، والأفضل له أن يصافح الخليفة وأركان دولته، وأن يجاملهم بل ويساعدهم ويشجع الناس على بيعتهم تحت شعار الدخول في الصلح ووحدة المسلمين!!!
فيتجنب شر الخليفة وأركان دولته وينال نصيبا وافرا مما في أيديهم، فيبقى هو العلم بوصفه ابن الخليفة، وهو الرقم الصحيح من رعية كلها أصفار أو كسور، لذلك اختار ابن عمر أن يكون دائما مع أو الغالب وهو صاحب النظرية الشهيرة التي صارت في ما بعد مبدءا دستوريا من مبادئ دولة الخلافة " نحن مع من غلب " (2) ومع هذا فإن ابن عمر لم يقطع صلته بالمعارضة فهو يبكي أمام الإمام الحسين، ويوحي له بأنه متعاطف معه ومشفق عليه، ويرى ما لم يره الإمام، ويتمنى على الإمام أن يدخل في صلح يزيد وأن يبايع يزيد، وأن يعود إلى المدينة ليصبح مطيعا كرعية يزيد، من الطبيعي أن يزيد وأركان دولته سيسمعون بكل ما قاله عبد الله بن عمر وسيرتاحون لموقفه، ويغدقون عليه الصلات والعطايا باعتباره حكيما من حكماء دولة الخلافة، وهكذا يقنع عبد الله بن عمر نفسه بأنه مع

(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٩٤ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٤٦ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٧٢، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٣، ووقعة الطف ص 148 والموسوعة ص 319.
(2) راجع الأحكام السلطانية لقاضي القضاة أبي يعلى المتوفى سنة 458 ه‍ ص 7 - 8 وص 20 - 23.
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327