كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ٢٣٤
يضع لقطة فنية أمام مستمعيه فيصور نفسه مقتولا، ويتصور الذئاب تتسابق إلى جثمانه الطاهر فتقطعه لتطعم صغارها والجياع من عائلتها، ويتبرم الإمام من الحياة ويخرج بقناعة ويقين، إن الموت خير من الحياة،!! فالإمام يتعامل مع خطين:
خط الظاهر الذي يعرفه الناس كلهم، ففي هذا الخط خطة من العناية والسعي، وكأنه الخط الوحيد، وخط الحقيقة والباطن ويمثل مآلات الأمور، ومنتهيات حركات المخلوقات، إنه يرى بعين البصر، والبصيرة، وينبئ بوقوع الحوادث قبل وقوعها، فتأتي الحادثات في ما بعد بالصورة والكيفية التي أخبر بها الإمام!!!
إنه يتحدث عن أمور لم تقع أو ستقع بعد سنين بالثقة واليقين الذي يتحدث به عن أمور وقعت قبل دقيقة!!! إنه بفضل الله ومنته سابق لحركة الموجودات، ومحيط بمآلاتها تماما!! فبالوقت الذي كان فيه أصحابه سعداء برسل الكوفة وكتبها وبأخبار بني تميم وبني سعد وبني مرة في البصرة، أثار مسألة الموت، وصور أدق أمورها أمام سامعيه، ثم عرض لقطة خاصة به، وهو مقتول، وجثته متروكة بالعراء، وذئاب البرية تحوم حولها لتسد سغبها!!.
وما يعنينا بالدرجة الأولى هنا أن الإمام أصدر أوامره بالتأهب للمسير إلى العراق، فتأهب أهل بيته وأصحابه، وهموا بالمسير إلى العراق وكان ذلك يوم الثلاثاء، الثامن من ذي الحجة، فاعترضته رسل الوالي وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط، وامتنع الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عنهم امتناعا قويا، ومضى وأصحابه سائرين إلى العراق وتقول روايات دولة الخلافة إن رسل الوالي نادوه: " يا حسين ألا تتقي الله، تخرج من الجماعة، وتفرق بين هذه الأمة "!!!
وتقول هذه الروايات نفسها: إن حسينا تأول قوله تعالى: * (لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون) * (1) [يونس / 41]، فالرواية تصف جماعة الوالي بأنهم رسول، بالوقت الذي تؤكد فيه تدافع الفريقين وتضاربهم بالسياط، وتؤكد امتناع الإمام الحسين وأصحابه امتناعا قويا، ولكن الرواية لا تبين لي عدد أولئك الرسل!!! وهل من صلاحية الرسل أن يمنعوا بالقوة تحرك من

(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٧ - ٢١٨ وتاريخ ابن الأثير ج ٨ ص ١٦٦، وأنساب الأشراف ص ١٦٤.
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327