يضع لقطة فنية أمام مستمعيه فيصور نفسه مقتولا، ويتصور الذئاب تتسابق إلى جثمانه الطاهر فتقطعه لتطعم صغارها والجياع من عائلتها، ويتبرم الإمام من الحياة ويخرج بقناعة ويقين، إن الموت خير من الحياة،!! فالإمام يتعامل مع خطين:
خط الظاهر الذي يعرفه الناس كلهم، ففي هذا الخط خطة من العناية والسعي، وكأنه الخط الوحيد، وخط الحقيقة والباطن ويمثل مآلات الأمور، ومنتهيات حركات المخلوقات، إنه يرى بعين البصر، والبصيرة، وينبئ بوقوع الحوادث قبل وقوعها، فتأتي الحادثات في ما بعد بالصورة والكيفية التي أخبر بها الإمام!!!
إنه يتحدث عن أمور لم تقع أو ستقع بعد سنين بالثقة واليقين الذي يتحدث به عن أمور وقعت قبل دقيقة!!! إنه بفضل الله ومنته سابق لحركة الموجودات، ومحيط بمآلاتها تماما!! فبالوقت الذي كان فيه أصحابه سعداء برسل الكوفة وكتبها وبأخبار بني تميم وبني سعد وبني مرة في البصرة، أثار مسألة الموت، وصور أدق أمورها أمام سامعيه، ثم عرض لقطة خاصة به، وهو مقتول، وجثته متروكة بالعراء، وذئاب البرية تحوم حولها لتسد سغبها!!.
وما يعنينا بالدرجة الأولى هنا أن الإمام أصدر أوامره بالتأهب للمسير إلى العراق، فتأهب أهل بيته وأصحابه، وهموا بالمسير إلى العراق وكان ذلك يوم الثلاثاء، الثامن من ذي الحجة، فاعترضته رسل الوالي وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط، وامتنع الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عنهم امتناعا قويا، ومضى وأصحابه سائرين إلى العراق وتقول روايات دولة الخلافة إن رسل الوالي نادوه: " يا حسين ألا تتقي الله، تخرج من الجماعة، وتفرق بين هذه الأمة "!!!
وتقول هذه الروايات نفسها: إن حسينا تأول قوله تعالى: * (لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون) * (1) [يونس / 41]، فالرواية تصف جماعة الوالي بأنهم رسول، بالوقت الذي تؤكد فيه تدافع الفريقين وتضاربهم بالسياط، وتؤكد امتناع الإمام الحسين وأصحابه امتناعا قويا، ولكن الرواية لا تبين لي عدد أولئك الرسل!!! وهل من صلاحية الرسل أن يمنعوا بالقوة تحرك من