الدعم فلم يدعموا، واستحموا فلم يحمهم أحد، وبينوا الحق وطلبوا من المسلمين اتباعه، فأعرض المسلمون عنهم وهذا قمة ما هو مطلوب من الإمام، فالإمام ملزم ببذل عناية لا بتحقيق غاية، مكلف بأن يبين الحق ويقيم الحجة على الناس، لكنه ليس مكلفا بأن يجبر الناس إجبارا على اتباع الحق.
ويبدو مؤكدا أن الإمام الحسين قد اجتمع في مكة مع عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب (1) وقد حببا إليه البقاء والعودة معهما إلى المدينة، وخوفاه من سيف يزيد بن معاوية وجنده، وقال له ابن عمر: " ارجع إلى المدينة وإن لم تحب أن تبايع فلا تبايع أبدا " فقال له الإمام الحسين: " هيهات يا ابن عمر إن القوم لا يتركوني إن أصابوني، وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتى أبايع وأنا كاره أو يقتلونني ". وقال له الإمام الحسين أيضا: " إتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي ".
ثم أقبل الإمام الحسين على عبد الله بن العباس فقال: " يا ابن عباس! إنك ابن عم والدي.... فإني مستوطن بهذا الحرم ومقيم فيه أبدا ما رأيت أهله يحبوني وينصروني فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم... واستعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل، فبكى ابن عمر وابن عباس بكاء شديدا والحسين يبكي معهما ساعة ثم ودعهما وعاد ابن عمر وابن عباس إلى المدينة " (2).
ويبدو واضحا أن الإمام قد قابل عبد الله بن الزبير، ويبدو واضحا أن ابن الزبير قد شجع الإمام على الخروج من مكة إلى الكوفة، ومن المؤكد أن الإمام يعرف ابن الزبير ومطامعه بدليل قول الإمام: " ها إن هذا ليس شيئا يؤتاه من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق، وقد علم أنه ليس له من الأمر