فالإمام الحسين لا يخفي خروجه على أحد، فهو يسلك الطريق العام علنا بل هو يجهد نفسه ليعلم كل المسلمين بخروجه، ولتكون أسباب الخروج معروفة عند كل مسلم ومسلمة بمن فيهم يزيد وأركان دولته، لأن الإمام لا يطلب ملكا كابن الزبير، ولا يتلبد لملك كابن عمر، إنما هو صاحب حق، وصاحب رسالة معني من كل الوجوه بإبلاغ مضامين تلك الرسالة إلى كافة المكلفين من حاكمين ومحكومين على السواء.
في مكة المكرمة:
لو أخذنا بالرواية الأولى التي تقول إن الإمام الحسين قد خرج من المدينة المنورة متوجها إلى مكة المكرمة في اليوم الثالث من شهر شعبان لقدرنا أن الإمام قد وصل إلى مكة المكرمة في منتصف شهر شعبان، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الإمام أدى العمرة، وخرج من مكة قبل إتمام الحج كراهية منه أن تستباح به حرمة البيت الحرام (1) فمعنى هذا أن الإمام الحسين قد بقي في مكة قرابة أربعة أشهر تزيد قليلا أو تنقص قليلا، هذه المدة الكافية أتاحت له فرصة للاجتماع مع أهل مكة، ومع وفود الحجيج التي جاءت من مختلف البلاد الإسلامية ومن الطبيعي أن يطلعهم الإمام على خروجه وعلى أسباب هذا الخروج، وأن يبين لهم حاجته إلى مأوى آمن يأوي إليه، وإلى قوم يمنعونه وأهل بيته بطريقة مهذبة لا تخدش كبرياء الحق الذي يمثله، ومن الطبيعي أن يتوافد المسلمون عليه للسلام، وتقديم الاحترام لابن النبي الوحيد المتبقي على وجه الأرض، وطمعا بالبركة، وتقربا للنبي، ومن المؤكد أنهم أصغوا إليه وأنه قد ملكهم بحديثه المميز، فقد أسر حديثه حتى خصومه، وأخالهم قد استمعوا إليه بشغف بالغ، وعز عليهم ما يعانيه الإمام وأهل بيت النبوة في محنتهم تلك، وأخالهم قد ودعوه وقبلوا يده، وعيونهم تفيض بالدمع وألسنتهم ترجوه الدعاء لهم ثم اختفوا ليمارسوا عادات العبادات، وهكذا أقام الإمام عليهم الحجة كاملة غير منقوصة، وشهدوا على أنفسهم من حيث لا يشعرون بأن ابن النبي وأهل بيت النبوة قد استنصروا فلم ينصروا وطلبوا