كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ٢٢٠
فالإمام الحسين لا يخفي خروجه على أحد، فهو يسلك الطريق العام علنا بل هو يجهد نفسه ليعلم كل المسلمين بخروجه، ولتكون أسباب الخروج معروفة عند كل مسلم ومسلمة بمن فيهم يزيد وأركان دولته، لأن الإمام لا يطلب ملكا كابن الزبير، ولا يتلبد لملك كابن عمر، إنما هو صاحب حق، وصاحب رسالة معني من كل الوجوه بإبلاغ مضامين تلك الرسالة إلى كافة المكلفين من حاكمين ومحكومين على السواء.
في مكة المكرمة:
لو أخذنا بالرواية الأولى التي تقول إن الإمام الحسين قد خرج من المدينة المنورة متوجها إلى مكة المكرمة في اليوم الثالث من شهر شعبان لقدرنا أن الإمام قد وصل إلى مكة المكرمة في منتصف شهر شعبان، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الإمام أدى العمرة، وخرج من مكة قبل إتمام الحج كراهية منه أن تستباح به حرمة البيت الحرام (1) فمعنى هذا أن الإمام الحسين قد بقي في مكة قرابة أربعة أشهر تزيد قليلا أو تنقص قليلا، هذه المدة الكافية أتاحت له فرصة للاجتماع مع أهل مكة، ومع وفود الحجيج التي جاءت من مختلف البلاد الإسلامية ومن الطبيعي أن يطلعهم الإمام على خروجه وعلى أسباب هذا الخروج، وأن يبين لهم حاجته إلى مأوى آمن يأوي إليه، وإلى قوم يمنعونه وأهل بيته بطريقة مهذبة لا تخدش كبرياء الحق الذي يمثله، ومن الطبيعي أن يتوافد المسلمون عليه للسلام، وتقديم الاحترام لابن النبي الوحيد المتبقي على وجه الأرض، وطمعا بالبركة، وتقربا للنبي، ومن المؤكد أنهم أصغوا إليه وأنه قد ملكهم بحديثه المميز، فقد أسر حديثه حتى خصومه، وأخالهم قد استمعوا إليه بشغف بالغ، وعز عليهم ما يعانيه الإمام وأهل بيت النبوة في محنتهم تلك، وأخالهم قد ودعوه وقبلوا يده، وعيونهم تفيض بالدمع وألسنتهم ترجوه الدعاء لهم ثم اختفوا ليمارسوا عادات العبادات، وهكذا أقام الإمام عليهم الحجة كاملة غير منقوصة، وشهدوا على أنفسهم من حيث لا يشعرون بأن ابن النبي وأهل بيت النبوة قد استنصروا فلم ينصروا وطلبوا

(١) ابن نما ص ٨٩ وتاريخ الطبري ج ٦ ص ١٧٧ ومقتل الحسين للمقرم.
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327