الحسين موقنا أنه وأهل بيته وأصحابه غرباء تماما، يسيرون في مملكة بني أمية بلا ناصر، ولا معين، بين قوم قلوبهم غلف، لا يعون ولا يرحمون وقد أثبتت الوقائع بالفعل في ما بعد أن فرعون مصر وجنوده كانوا بمنتهى الرحمة والخلق إذا ما قيست أفعالهم بأفعال جيش الأمويين، فعندما غادر الإمام المدينة المنورة تلا قوله تعالى: * (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) * [القصص / 21] (1) وهو عين ما قاله موسى عندما فر من فرعون مصر وجنوده.
والإمام الحسين الذي اختاره الله إماما، وأعده وأهله، لا يلقي الكلام على عواهنه، إنما يبرز بكلامه ومقارناته أدق المخفيات بصيغة يفهمها المكلفون فهما كاملا، لتقوم الحجة عليهم وفق موازين الحق ومعاييره، ولما وصل الإمام الحسين إلى مكة، تلا قوله تعالى: * (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) * [القصص / 22] (2) وهو عين ما قاله موسى عندما ابتعد نسبيا عن الخطر وعندما أشرف على مدين!! فالتمثل بقول موسى في مكانين مختلفين، وفي فترتين زمنيتين متباعدتين يعكس بوضوح وحدة المحنة بين النبي موسى (ع) والإمام الحسين، ووحدة الجو النفسي بينهما، والتشابه بالحالتين، والتطابق في طبيعة الخصمين، ووحدة المعاناة، وإبرازا لهذا فإن الإمام الحسين يستعين بإعجاز القرآن ليضع الأمة معه في موقفه وطبيعة معاناته، وليستصرخ لا شعورها لنصرته.
الخارطة الجغرافية والإعلامية لرحلة الشهادة:
من المدينة إلى مكة قبل أن يخرج الإمام الحسين من المدينة إلى مكة بادئا رحلة الشهادة كتب الرسالة التي وجهها إلى بني هاشم، والتي تحدثت عن أمور غيبية لم تحدث بيقين