فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين... " (1).
ثم إن الإمام الحسين قد أجرى حوارا موسعا مع أخيه محمد بن الحنفية، وأذن له بالبقاء في المدينة، وشاع بين سكان أهل المدينة أن الإمام قد كتب وصيته وسلمها لمحمد بن الحنفية، فمن الطبيعي أن يسأل أهل المدينة ابن الحنفية عما جرى وعن مضمون الوصية، بل ومن الطبيعي أن يسأله أمير المدينة وأركان إمارته أن يبعثوا ليزيد بن معاوية بكل ما سمعوه من أخبار الإمام الحسين. ولم يخرج الإمام الحسين من المدينة إلا بعد ما أقام الحجة كاملة على أهلها، وبعد ما يئس من نصرتهم له، ولو كان عند الإمام الحسين أي أمل بنصرة أهل المدينة وحمايتهم له ولأهل بيته لما خرج منها، ولقد عبر الإمام عن شعوره بالمرارة وخيبة الأمل فيهم، وعن غضبه منهم بأكثر من مناسبة، فقد شكا أمام قبر جده قائلا: " أنا فرخك وابن فرختك، وسبطك في الخلف الذي خلفت على أمتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني وضيعوني، وأنهم لم يحفظوني، وهذا شكواي إليك حتى ألقاك " (2) ومثل قول الإمام: "... وقد سمعت رسول الله يقول الخلافة محرمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به، فابتلاهم الله بابنه يزيد زاده الله في النار عذابا " (3).
ومثل قوم الإمام مناجيا رسول الله أمام قبره الشريف: " لقد خرجت من جوارك كرها، وفرق بيني وبينك حيث إني لم أبايع ليزيد بن معاوية، شارب الخمور، وراكب الفجور، وها أنا خارج من جوارك على الكراهة فعليك مني السلام " (4). وغاية الإمام الحسين من الخروج منصبة على البحث عن مأوى آمن