يأوي إليه وأهل بيته، فلو كان الإمام واثقا أن المدينة هي المأوى الآمن، وأن أهلها سيمنعونه ويحمونه لما كانت هنالك ضرورة لرحلة الشهادة، فأهل المدينة أعرف بالإمام وبمكانته من غيرهم ويعرفون أنه المظلوم وصاحب الحق الشرعي، مثلما يعرفون تاريخ يزيد ومعاوية وأبي سفيان وهو تاريخ أسود، ومع هذا ومع سبق الترصد والإصرار خذل أهل المدينة الإمام الحسين خذلانا تاما، وتجاهلوا خروج الإمام، وتجاهلوا العهد والموثق الذي قطعوه على أنفسهم أمام رسول الله " بأن يحموه ويحموا أهله كما يحمون أنفسهم وذراريهم ".
والخلاصة، أن الإمام الحسين لم يغادر المدينة، إلا بعد ما كان موقنا بأن أهلها خاذلوه، لا محالة، ومع هذا لم يغادر المدينة إلا بعد ما أسمع حجته لرجالها ونسائها، ولشيوخها وشبابها، وبعد ما أقام الحجة كاملة عليهم، وعلى أركان دولة الخلافة في المدينة المنورة، ولما تيقن الإمام أنه قد فعل ذلك كله غادر المدينة متوجها إلى مكة وكان ذلك في ليلة الأحد، ليومين بقيا من رجب من سنة ستين للهجرة، خرج الإمام الحسين ببنيه وأخوته وجل أهل بيت النبوة إلا محمد بن الحنفية (1) من المدينة المنورة نهائيا إلى مكة المكرمة وهو يتلو قوله تعالى:
* (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) * [القصص / 21] (2).
وفي رواية ثانية أن الإمام قد خرج من المدينة يريد مكة بجميع أهله وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان في سنة ستين للهجرة وهو يتلو الآية... (3) وأثناء مسيرته إلى مكة لزم الطريق الأعظم، وأبى أن يحيد عنها، وقال لمسلم بن عقيل الذي أشار عليه بالعدول عن الطريق: " والله يا ابن عمي لا فارقت هذا الطريق أبدا أو أنظر إلى أبيات مكة أو يقضي الله في ذلك ما يحب ويرضى " (4)