وكان " أبو طالب " يأمر رسول الله أن يأتي فراشه كل ليلة، حتى يراه من أراد به شرا. فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بنى عمه، فاضطجع على فراش الرسول. وأمره أن يرقد على بعض فرشهم فيرقد عليها. حتى إذا أكملوا ثلاث سنين أخبر الله رسوله أن العهد الذي تعاهدته قريش في صحيفة علقوها بالكعبة قد أكلته الأرضة.
ولحست باقي الصحيفة. فخرجوا من الشعب إلى قريش. وأنبأ أبو طالب قريشا أن الصحيفة قد أكلت، وأسماءهم قد لحست، كما أخبره ابن أخيه، وأنبأهم أنه وأهله سيحمونه عن آخرهم.
وذات يوم سأل النبي أهله: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟
- وعلي جالس - فسكتوا. وقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة.
فكانت هذه أول موالاة من النبي لعلي.
ولما حضرت الوفاة أبا طالب في السنة العاشرة من المبعث عن بضع وثمانين، جمع إليه وجوه قريش فقال بين ما قال (.. وإني أوصيكم بمحمد فإنه الأمين في قريش. والصديق للعرب. وهو الجامع لكل ما وصيتكم به. وقد جاءنا بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن.. يا معشر قريش كونوا له ولاة..).
والنبي يقول (ما زالت قريش كاعة حتى مات عمى أبو طالب).
وماتت خديجة بعد أبي طالب بأيام أو أشهر أو أكثر. وأذن الله للرسول في الهجرة إلى المدينة. وكان قد أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة. ولم يبق فيها إلى جواره إلا أبا بكر وعليا. والأول هو الصديق والثاني هو " الفدائي الأول ".
فلقد رأت قريش ذلك فأجمعت على قتل النبي فبيتوه ورصدوه طول ليلهم ليقتلوه إذا خرج. فأمر عليا أن ينام على فراشه. ودعا ربه أن يعمى على قريش أثره، وخرج وقد غشى أبناءها النوم. فلما أصبحوا خرج علي عليهم وقال: ليس في الدار ديار. فعلموا أن رسول الله نجا.