أرض الشام في أقل من لمح البصر. والأجسام متماثلة في تمام ماهياتها، فلما حصل مثل هذه الحركة في حق بعض الأجسام وجب إمكان حصولها في سائر الأجسام، فهي ممكنة والله تعالى قادر على حصولها في جسد النبي صلى الله عليه وسلم.
والجواب عن الثاني: وهو خرق الأفلاك فليس بمحال وقد منعه النفاة للجنة والنار.
قال الشيخ سعد الدين: (ادعاء استحالة المعراج باطل، لأنه إنما ينبنى على أصول الفلاسفة من امتناع الخرق والالتئام على السماوات، وإلا فالخرق والالتئام على السماوات واقع عند أهل الحق، والأجسام العلوية والسفلية متماثلة مركبة من الجواهر الفردة المتماثلة، يصح على كل من الأجسام ما يصح على الاخر ضروة التماثل المذكور، فإذا أمكن خرق الأجسام السفلية أمكن خرق الأجسام العلوية والله قادر على الممكنات كلها، فهو قادر على خرق السماوات وقد ورد به السمع فيجب تصديقه).
والجواب عن الثالث: فكما أنه يستبعد صعود الجسم الكثيف يستبعد نزول الجسم اللطيف الروحاني من العرش إلى مركز العالم. فإن كان القول بمعراج النبي صلى الله عليه وسلم في الليلة الواحدة ممتنعا كان القول بنزول جبريل عليه السلام من العرش إلى مكة في اللحظة الواحدة ممتنعا كذلك، ولو حكمنا بهذا الامتناع كان ذلك طعنا في نبوة جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والقول بثبوت المعراج فرع على تسلم جواز أصل النبوة، فيلزم القائل بامتناع حصول هذه الحركة امتناع نزول جبريل عليه السلام. ولما كان ذلك باطلا، كان ما ذكروه باطلا.
والجواب عن الرابع: إن في كونه ليلا فوائد منها: ليزداد الذين آمنوا إيمانا بالغيب، ويفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم، وقد قال الله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) [الاسراء: 60]، ومنها أنه وقت الخلوة والاختصاص عرفا، فإن بين جليس الملك نهارا وجليسه ليلا فرقا واضحا، والخصوصية لليل، ورحم الله من قال:
الليل لي ولا حبائي أنادمهم * قد اصطفيتهم كي يسمعوا ويعوا وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالعلامات التي تفيد اليقين من وصف بيت المقدس ووصف العير التي مر بها في طريقه، وأنها تصل إليهم في وقت كذا، فكان كما ذكر كما سيأتي مفصلا. ومع ذلك قالوا: (هذا سحر مبين) [الأحقاف: 7]. فلا فرق بين أن يريهم ذلك نهارا وأن يخبرهم بخبر يفيد اليقين، وقد أراهم انشقاق القمر فقالوا: هذا: (سحر مستمر) [القمر: 4].