وأمي، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلو، وننزل نحن فنكون في السفل، فقال: (إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت). قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله وكنا فوقه في المسكن، فلقد انكسر حسب لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء (تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شئ فيؤذيه. وذكر أن أبا أيوب لم يزل يتضرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم في العلو وأبو أيوب في السفل.
قال أبو أيوب: وكنا نصنع له العشاء ثم نبعث به إليه، فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له فيه بصلا أو ثوما، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر ليده فيه أثرا. قال: فجئته فزعا فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي رددت عشاءك، ولم أر فيه موضع يدك وكنت إذا رددته علينا تيممت أنا وأم أيوب موضع يدك نبتغي بذلك البركة. قال: (إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة وأنا رجل أناجي، فأما أنتم فكلوه). قال: فأكلناه ولم نضع له تلك الشجرة بعد.
وفي كتاب أخبار المدينة ليحيى بن الحسن، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب لم يدخل منزل رسول الله هدية وأول هدية دخلت بها عليه قصعة مثرودة خبز بر وسمنا ولبنا، فأضعها بين يديه، فقلت: (يا رسول الله أرسلت بهذه القصعة أمي)، فقال: (بارك الله فيها)، ودعا أصحابه فأكلوا فلم أرم الباب حتى جاءته قصعة سعد بن عبادة، على رأس غلام مغطاة فأقف على باب أبي أيوب فأكشف غطاءها لأنظر فرأيت ثريدا عليه عراق (1)، فدخل بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال زيد: (فلقد كنا في بني مالك بن النجار ما من ليلة إلا على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم منا الثلاثة والأربعة يحملون الطعام ويتناوبون بينهم حتى تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت أبي أيوب وكان مقامه فيه سبعة أشهر وما كانت تخطئه جفنة سعد بن عبادة وجفنة أسعد بن زرارة كل ليلة). وفيه أنه قيل لام أيوب:
(أي الطعام كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنكم عرفتم ذلك لمقامه عندكم؟ فقالت: ما رأيته أمر بطعام فصنع له بعينه، ولا رأيناه أتي بطعام فعابه. وقد أخبرني أبو أيوب أنه تعشى عنده ليلة من قصعة أرسل بها سعد بن عبادة طفيشل. قال أبو أيوب. فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهل تلك القدر ما لم أره ينهل غيرها، فكنا نعملها له، وكنا نعمل له الهريس وكانت تعجبه. وكان يحضر عشاءه خمسة إلى ستة عشر كما يكون الطعام في الكثرة والقلة).