فقال: منزلي أقرب المنازل فائذن لي أن أنقل رحلك. قال: (نعم)، فنقل رحله وأناخ الناقة في منزله.
وروى الحاكم وأبو سعيد النيسابوري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل على أبي أيوب خرج جوار من بني النجار يضربن بالدفوف ويقلن:
نحن جوار من بني النجار * يا حبذا محمد من جار (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتحببنني)؟ قلن: نعم يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأنا والله أحبكن)، قالها ثلاثا. وذكر ابن إسحاق في المبدأ وابن هشام في التيجان أن بيت أبي أيوب الذي نزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة بناه تبع الأول واسمه تبان - بضم المثناة الفوقية وتخفيف الموحدة - أسعد، وكان معه أربعمائة حبر، فتعاقدوا على ألا يخرجوا منها.
فسألهم تبع عن سر ذلك، فقالوا: إنا نجد في كتبنا أن نبيا اسمه محمد هذه دار هجرته، فنحن نقيم لعلنا نلقاه. فأراد تبع الإقامة معهم، ثم بنى لكل واحد من أولئك دارا واشترى له جارية وزوجها منه وأعطاه مالا جزيلا وكتب كتابا فيه إسلامه ومنه:
شهدت على أحمد أنه * رسول من الله باري النسم فلو مد عمري إلى عمره * لكنت وزيرا له وابن عم (وجاهدت بالسيف أعداءه * وفرجت عن صدره كل هم) وختمه بالذهب ودفعه إلى كبيرهم وسأله أن يدفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن أدركه وإلا فمن أدركه من ولده أو ولد ولده، وبنى للنبي صلى الله عليه وسلم دارا ينزلها إذا قدم المدينة، فتداول الدار الملاك إلى أن صارت لأبي أيوب، وهو من ولد ذلك العالم، وأهل المدينة الذين نصروه كلهم من أولاد أولئك العلماء. ويقال إن الكتاب الذي فيه الشعر كان عبد أبي أيوب حتى دفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غريب. فما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في بيته.
وروى الترمذي وصححه، ويحيى بن الحسن العلوي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه فجئت لأنظر إليه، فلما تبينت وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شئ سمعته يتكلم به أن قال: (أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام تدخلون الجنة بسلام (2). وروى ابن إسحاق ومسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: (لما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السفل وأنا وأم أيوب في العلو: فقلت له: يا نبي الله، بأبي أنت