تعالى، في مناسبته وجها آخر، وهو أن [سورة] الطور فيها ذكر ذرية المؤمنين وأنهم تبع لآبائهم، وهذه فيها ذكر ذرية اليهود في قوله تعالى: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) [النجم: 32].
فقد روى ابن المنذر وابن حبان عن ثابت بن الحرث الأنصاري قال: (كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبي صغير هو صديق، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (كذبت يهود، ما من نسمة بخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقي أو سعيد). فأنزل الله تعالى عند ذلك: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض) الآية. ولما قال الله تعالى هناك في المؤمنين: (ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ) [الطور: 21] أي ما نقصنا الاباء مما أعطينا البنين مع نفعهم بعمل آبائهم، قال هناك في الكفار أو في الكبار: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) [النجم: 39]، خلاف ما ذكر في المؤمنين الصغار). انتهى.
أبو حيان رحمه الله: (هذه السورة مكية، ومناسبتها لاخر ما قبلها ظاهر، لأنه تعالى قال: (أم يقولون تقوله) [الطور: 33] أي اختلق القرآن، ونسبوه إلى الشعر، وقالوا هو كاهن، هو مجنون، فأقسم تعالى أنه صلى الله عليه وسلم ما ضل، وأن ما أتى به هو الوحي من الله. وهي أول سورة أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءتها في الحرم، والمشركون يسمعون، وفيها سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والانس غير أبي لهب فإنه رفع حفنة من تراب إلى جبهته وقال يكفي هذا). قلت: ذكر أبي لهب هنا غريب.
روي الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود قال: أول سورة نزلت فيها سجدة، النجم، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجد الناس كلهم إلا رجل رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته قتل كافرا وهو أمية بن خلف. وروى ابن مردويه وابن خلف عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في النجم وسجد من حضر من الجن والإنس والشجر، زاد ابن أبي شيبة إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشهرة، وسمى أحد الرجلين المبهمين في الرواية السابقة، والثاني الوليد بن المغيرة كما عند ابن سعد. وروى البخاري عن ابن عباس قال:
سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس.
الثالث: في الكلام على القسم الواقع هنا.
الشيخ رحمه الله تعالى في الاتقان: [وقد قيل ما معنى القسم منه تعالى؟ فإنه إن كان لأجل المؤمن] فالمؤمن يصدق بمجرد الاخبار من غير قسم، وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده، وأجيب بأن القرآن نزل بلغة العرب، ومن عادتها القسم إذا أرادت أو تؤكد أمرا.
وأجاب الأستاذ - بضم الهمزة وبالذال المعجمة - أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى