السميع)، لكلامنا، (البصير) لذاتنا. وأما توسط ضمير الفعل فللاشعار باختصاصه بهذه الكرامة وحده، ولعل السر في مجئ الضمير محتملا للامرين الإشارة إلى المطلوب وأنه صلى الله عليه وسلم إنما رأى رب العزة وسمع كلامه به).
الماوردي: (في الحكمة بالاتيان بالسميع والبصير هنا وجهان: أحدهما: أنه تعالى وصف نفسه بهما، وإن كانا من صفاته اللازمة لذاته في الأحوال كلها، لأنه حفظ لرسوله عند الاسراء به في ظلمة الليل، فلم يضره ألا يبصر فيها، وسمع كلامه دعاءه فأجابه إلى ما سأل.
الثاني: أن قومه لما كذبوه حين أخبرهم بإسرائه، فقال: السميع، يعني لما يقولونه من تصديق أو تكذيب. البصير، فيما يفعله من الاسراء والمعراج.
الزمخشري: (إنه هو السميع) لأقوال محمد، (البصير) بأفعاله، العلام بتهذبها وخلوصها فيكرمه ويقربه على حسب ذلك.
ولم يتعقب ذلك الطيبي ولا السكوني - بالفتح والضم - في التمييز مع مبالغته في التنكيب (1) والاعتراض عليه. وقال صاحب الكفيل: (ذكر صفتي السمع والبصر تنبيها على أنه علم حيث يجعل رسالاته وكراماته، والبصير بآياته، وكما أنه أعلم فهو أسمع وأبصر. والمراد أنه السميع لمن صدق بالاسراء البصير بمن كذب به)، ثم ذكر كلام الزمخشري السابق، ثم قال: (وفي كلامه هذا إيماء إلى القول بإيجاب الجزاء وتلويح إلى اعتقاده أن فضائل النبوة مكتسبة، فاحذر هذه العقيدة. انتهى.
الغزالي رحمه الله: (المقصد الأسنى: (السميع هو الذي لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي، فيسمع السر والنجوى، بل ما هو أدق وأخفى، ويدرك دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، يسمع بغير أصمخة وآذان، وسمعه منزه عن أن يتطرق إليه الحدثان، ومهما نزهت السمع عن تغير المسموعات وقدسته عن أن يسمع بأذن وآلة علمت أن السمع في حقه عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات. ومن لم يدقق نظره فيه وقع بالضرورة في بحر التشبيه فخذ حذرك ودقق فيه نظرك).
وقال أيضا: (البصير هو الذي يشاهد ويرى ولا يعزب عنه ما تحت الثرى، وابصاره منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان، مقدس عن أن يرجع عن انطباع الصور والألوان في ذاته تعالى، كما تنطبع في حدقة ا لانسان، وإن ذلك من التغير والتأثير والمقتضى للحدثان. وإذا نزه عن ذلك كان البصر في حقه عبارة عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المصنوعات، والله تعالى أعلم بالصواب).