(ويمكن أن يراد بالتنكير التعظيم والتفخيم، والمقام يقتضيه، ألا ترى كيف افتتحت السورة بالكلمة المنبئة عنه؟ ثم وصف المسرى به بالعبودية، ثم أردف تعظيم المكانين بالحرام وبالبركة لما حوله، يعظم الزمان ثم يعظم الآيات بإضافتها إلى صيغة التعظيم، وجمعها لتشمل جميع أنواع الآيات، وكل ذلك شاهد صدق على ما نحن بصدده، والمعنى ما أعظم شأن من أسري [به] ممن حقق له مقام العبودية، وصحح له استنهاله للعناية السرمدية ليلا، أي ليل له شأن جليل.
ابن المنير رحمه الله تعالى: (وإنما كان الاسراء ليلا لأنه وقت الخلوة والاختصاص عرفا، ولأنه وقت الصلاة التي كانت مفروضة عليه في قوله تعالى: (قم الليل إلا قليلا) [المزمل: 2] وليكون أبلغ للمؤمن في الايمان بالغيب، وفتنة للكافر).
ابن دحية رحمه الله: (كرم الله نبيا صلى الله عليه وسلم ليلا بأمور منها: انشقاق القمر، وإيمان الجن به، ورأى أصحابه نيرانهم، كما في صحيح مسلم، وخرج إلى الغار ليلا. والليل أصل، ولهذا كان أول الشهور، وسواده يجمع ضوء البصر، ويحد كليل النظر، ويستلذ فيه بالسمر. وكان أكثر أسفاره ليلا. وقال عليه الصلاة والسلام: (عليكم - بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل).
والليل وقت الاجتهاد للعبادة. وكان صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تورمت قدماه. وكان قيام الليل في حقه واجبا، فلما كانت عبادته ليلا أكرم بالاسراء [به] فيه ليكون أجر المصدق به أكثر، ليدخل فيمن آمن بالغيب دون من عاينه نهارا، وقدم الحق تبارك وتعالى الليل في كتابه على ذكر النهار، فقال عز وجل: (وجعلنا الليل والنهار آيتين) [الاسراء: 12]، (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) [الفرقان: 62] إلى غير ذلك من الآيات).
وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له)، الحديث (1).
وهذه الخصيصة لم تجعل للنهار، نبه بها صلى الله عليه وسلم لما في ذلك الوقت من الليل من سعة الرحمة ومضاعفة الاجر وتعجيل الإجابة، ولابطال كلام الفلاسفة أن الظلمة من شأنها الإهانة والشر، لان الله تعالى أكرم أقواما في الليل بأنواع الكرامات كقوله في قصة إبراهيم صلى الله عليه وسلم:
(فلما جن عليه الليل) [الانعام: 76] الآية. وفي لفظ بقوله: (فأسر بأهلك بقطع من