واستشكل كثير من الناس كون (ليلا) ظرفا للاسراء. ووجه الاشكال أنه قد تقدم أن الاسراء هو سير الليل، فإذا أطلق الاسراء فهم أنه واقع ليلا، فهو كالصبوح في شرب الصباح، لا يحتاج إلى قوله: شربت الصبوح صباحا.
وجوابه أن الامر وإن كان كذلك إلا أن العرب تفعل مثل ذلك في بعض الأوقات إذا أرادت تأكيد الأمور. والتأكيد نوع من أنواع كلامهم وأسلوب منه. والعرب تقول: أخذ بيده، وقال بلسانه. وفي القرآن العزيز: (ولا طائر يطير بجناحيه) [الانعام: 38]، (يقولون بأفواههم) [آل عمران: 167]، (فخر عليهم السقف بمن فوقهم) [النحل: 26]، وقال جرير:
سرى نحوها ليلا كأن نجومه * قناديل فيهن الذبال المفتل (1) الذبال: جمع ذبالة - بضم الذال المعجمة وهي الفتيلة.
الجوهري (2): (وإنما قال ليلا، وإن كان السرى لا يكون لا بالليل للتأكيد، كقولهم:
سرت أمس نهارا والبارحة ليلا.
الزمخشري: [فإن قلت الاسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل؟ قلت]: أراد بقوله ليلا بلفظ التنكير تقليل مدة الاسراء وأنه وقع السرى في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة (من الليل) أي بعض الليل كقوله تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) [الاسراء: 79] يعني الامر بقيام الليل في بعض الليل.
قال أبو شامة: (وهذا الوجه لا بأس به، وقد زاد شيخنا أبو الحسن - يعني السخاوي في تفسيره أيضا وتقريرا، فقال: وإنما قال: (ليلا)، والاسراء لا يكون إلا بالليل، لان المدة التي أسري به فيها لا تقطع في أقل من أربعين يوما، فقطعت به في ليل واحد المعني سبحان الذي أسرى بعبده في ليل واحد من كذا إلى كذا، وهو موضع التعجب). قال: (وإنما عدل عن ليلة إلى ليل، لانهم إذا قالوا: سرى ليلة، كان ذلك في الغالب لاستيعاب الليلة، فقيل: ليلا أي في ليل).
وتعقب صاحب الفوائد كلام الزمخشري بكلام تعقبه فيه الطيبي، ثم قال الطيبي: