قتلتم أباه بالأمس وأقتله اليوم؟! بل أخرجه من بلادكم. فخرجوا به فوقفوه في السوق وباعوه من تاجر من التجار بستمائة درهم أو بسبعمائة درهم، فرفعه في سفينة فانطلق به، فلما كان العشاء هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يتمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته ففزعوا إلى ولده فإذا هم محمقون ليس في أحد منهم خير، فمرج أمر الحبشة. فقال بعضهم لبعض: تعلمون والله ملككم الذي يصلح أمركم الذي بعتم بالغداة، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه قبل أن يذهب. فخرجوا في طلبه فأدركوه فردوه فعقدوا عليه التاج وأجلسوه على سريره وملكوه، فقال التاجر: ردوا علي ما لي كما أخذتم غلامي فقالوا: لا نعطيك. فقال التاجر: والله لأكلمنه فمشى إليه فكلمه فقال: أيها الملك إني ابتعت غلاما فقبض ثمنه الذين باعونيه ثم عدوا على غلامي فنزعوه من يدي ولم يردوا علي مالي، فكان أول ما خبر من صلابة حكمه أن قال: لتردن عليه ماله أو ليجعلن يد غلامه في يده فيذهب به حيث شاء. فقالوا: بل نعطيه ماله فأعطوه ماله.
فلذلك يقول: (ما أخذ الله مني الرشوة فآخذ الرشوة فيه حين رد علي ملكي وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه).
فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشي في أحسن جوار وتعجل عبد الله بن مسعود فرجع إلى مكة، فلما سمع المسلمون بمهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ومن النساء ثماني نسوة، فمات منهم رجلان بمكة وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا. كما سيأتي بيان ذلك هناك. والله تعالى أعلم.
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي روى البيهقي عن ابن إسحاق قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في جعفر بن أبي طالب وأصحابه وكتب معه كتابا فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم. سلام عليك فإني أحمد إليك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بي وبالذي جاءني فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفر بن أبي طالب ومعه نفر من المسلمين فإذا جاؤوك فأقرهم ودع التجبر فإني أدعوك وجنودك إلى الله وقد بلغت نصحت فاقبلوا نصيحتي. والسلام على من اتبع الهدى).
فكتب إليه النجاشي: إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحم ابن الأبجر. سلام