وفي رواية أن النجاشي قال للمسلمين: أيؤذيكم أحد؟ قالوا: نعم. فأمر مناديا ينادي: من آذى أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم. ثم قال: أيكفيكم؟ قلنا: لا. قال: فأضعفوها.
وعند موسى بن عقبة: من نظر إلى هؤلاء نظرة تؤذيهم فقد غرم. أي فقد عصاني.
ثم قال: ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه.
فخرجا من عنده مقبوحين مردود عليهما ما جاءا به.
ثم إن الحبشة اجتمعت فقالت للنجاشي: إنك فارقت ديننا - وخرجوا عليه فأرسل إلى جعفر وأصحابه فهيأ لهم سفنا وقال: اركبوا فيها وكونوا كما أنتم فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا حيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا. ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبده ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن وخرج إلى الحبشة وصفوا له صفين فقال: يا معشر الحبشة ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى. قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة؟
قال فما لكم؟ قالوا: فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد، هو ابن الله. فقال النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه: هو يشهد أن عيسى ابن مريم لم يزد على هذا. وإنما يعني ما كتب.
فرضوا عنه وانصرفوا.
قالت أم سلمة: فأقمنا عنده بخير دار مع خير جار، فوالله إنا على ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما حزنا قط حزنا كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه. وسار إليه وبينهما عرض النيل، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل ينطلق حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ فقال الزبير بن العوام: أنا. قالوا: فأنت. وكان من أحدث القوم سنا. فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليهم حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها يلتقي القوم، ثم انطلق حتى حضرهم.
وقالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده.
قالت: فوالله إنا على ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير بن العوام يسعى فلمع بثوبه وهو يقول: أبشروا فقد ظهر النجاشي وأهلك الله عدوه. قالت: فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها. ورجع النجاشي وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده واستوسق عليه أمر الحبشة، وكنا عنده في خير منزل.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي موسى الأشعري، والطبراني وأبو الفرج الأموي