فأخبرته بما رأيت من رقة عمر فقال: ترجين أن يسلم؟ والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب!
وسهيل بن بيضاء وأبو سبرة بن أبي رهم العامري ويقال بدله: حاطب بن عمرو العامري. زاد بعضهم: وأم كلثوم بنت سهيل بن عمرو امرأة أبي سبرة بن أبي رهم، وعبد الله بن مسعود وجزم ابن إسحاق بأنه إنما كان في الهجرة الثانية وصححه الحافظ.
قال ابن هشام وكان عليهم عثمان بن مظعون فيما ذكر لي وأنكر ذلك الزهري وقال:
لم يكن لهم أمير.
فخرجوا متسللين سرا حتى أتوا الشعيبية منهم الراكب ومنهم الماشي، ووفق الله للمسلمين ساعة جاءوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما بنصف دينار وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحدا.
قالوا: وقدمنا أرض الحبشة فجاورنا بها خير جار أمنا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه.
وكان المشركون يقولون: لو ذكر محمد آلهتنا بخير قررناه وأصحابه ولكنه لا يذكر من خالفه من اليهود والنصارى بمثل ما يذكر به آلهتنا من الشتم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما نال أصحابه من أذاهم وتكذبيهم وأحزنته ضلالتهم، وكان يتمنى هداهم، فاتفق أنه قرأ يوما سورة النجم وكان يرتل قراءته فلما بلغ:
(أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) [النجم 19، 20] ارتصده الشيطان في سكتة من سكتاته فألقى عندها: وإنهن الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجي. محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم وأشاعها فوقعت في قلب كل مشرك بمكة وزلت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى ديننا. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر النجم سجد وسجد معه كل مشرك غير الوليد بن المغيرة كان شيخا كبيرا ملأ كفه ترابا فسجد عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود بسجود النبي صلى الله عليه وسلم، وعجب المسلمون لسجود المشركين معهم ولم يكن المسلمون سمعوا ما ألقى الشيطان كما قاله موسى بن عقبة، وأما المشركون فاطمأنوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وفشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين.
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ساءه فأنزل الله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى) قرأ (ألقى الشيطان في أمنيته) أي في قرءاته كما قال الفراء ويؤيده ما رواه ابن جرير وعلقه البخاري في صحيحه عن ابن عباس في قوله تعالى: (إذا