بوصف القائل بغلبة الروحانية وهو النوع الأول، وإما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني، والأول أشد بلا شك.
وقال الطيبي: لعل نزول القرآن على الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتلقفه الملك من الله تعالى تلقفا روحانيا، أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول ويلقيه عليه.
وقال القطب الرازي في حواشي الكشاف: الإنزال لغلة بمعنى الإيواء وبمعنى تحريك الشئ من علو إلى سفل، وكلاهما لا يتحققان في الكلام، فهو مستعمل فيه في معنى مجازي، فمن قال: القرآن معنى قائم بذات الله تعالى: فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى ويثبتها في اللوح المحفوظ، وهذا المعنى مناسب لكونه منقولا عن أول المعنيين اللغويين، ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في السماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ، وهذا مناسب للمعنى الثاني، والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يلقفها الملك تلقفا روحانيا أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم.
وقال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه: وسألت شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي عن كيفية التلقف الروحاني فقال لي: لا بكيف.
وقال البيهقي رحمه الله تعالى في معنى قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) يريد والله تعالى أعلم: إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع، فيكون الملك منتقلا به من علوا إلى سفل.
قال أبو شامة: هذا المعنى مطرد في جميع ألفاظ الإنزال المضافة إلى القرآن أو إلى شئ منه يحتاج إليه أهل السنة المعتقدون قدم القرآن وأنه صفة قائمة بذات الله تعالى.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: ويؤيد أن جبريل تلقفه سماعا من الله تعالى ما أخرجه الطبراني من حديث النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه مرفوعا: إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله تعالى، فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجدا فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله تعالى بما أراد فينتهي به على الملائكة فكلما مر بسماء سأله أهلها: ماذا قال ربنا؟ قال: الحق. فينتهي به حيث أمر (1).
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رفعه: إذا تكلم الله تعالى بالوحي يسمع أهل السماء صلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أنه من أمر الساعة فذكر نحو ما سبق. وأصل الحديث في الصحيح (2).