قال الشيخ: لكن يشكل على هذا ما اشتهر من أنه بعث في شهر ربيع الأول. ويجاب عن هذا بما ذكروه أنه صلى الله عليه وآله وسلم نبئ أولا بالرؤيا في شهر مولده، ثم كانت مدتها ستة أشهر، ثم أوحى إليه في اليقظة، ذكر البيهقي وغيره.
الثالث: قال أبو شامة: إن قيل ما السر في نزوله منجما وهلا نزل كسائر الكتب جملة؟
قلنا: هذا سؤال قد تولى الله جوابه فقال تعالى: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) [الفرقان 32] يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل، فأجابهم تعالى بقوله (كذلك) أي أنزلناه كذلك مفرقا (لنثبت به فؤادك).
أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقائه جبريل. وقيل معنى (لنثبت به فؤادك): أي لنحفظه لأنه عليه الصلاة والسلام كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ففرق عليه ليثبت عنده حفظه بخلاف غيره من الأنبياء فإنه كان كاتبا قارئا فيمكنه حفظ الجميع.
وقال غيره: إنما لم ينزل جملة واحدة لأن منه الناسخ والمنسوخ، ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا، ومنه ما هو جواب لسؤال، ومنه ما هو إنكار على قول قيل أو فعل فعل، وقد تقدم ذلك في قول ابن عباس: (ونزل به جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم).
وبه فسر قوله تعالى: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق) [الفرقان 33].
فالحاصل: أن الآية تضمنت حكمتين لإنزاله مفرقا.
الرابع: قال الأصفهاني: اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله تعالى منزل واختلفوا في معنى الإنزال، فمنهم من قال: إظهار القراءة، ومنهم من قال: إن الله تعالى ألهم كلامه جبريل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلمه قراءته. ثم جبريل أداه في الأرض وهو يهبط في المكان.
وفي التنزيل طريقان: أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل.
والثاني: أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول منه.
والأول أصعب الحالين.
وقال الحافظ: جرت العادة بالمناسبة بين القائل والسامع، وهي هنا إما باتصاف السامع