ونقل البلاذري عن محمد بن السائب رحمه الله تعالى أن ركبا من جذام صدروا عن الحج ففقدوا رجلا منهم غالته بيوت مكة، فلقوا حذافة بن غانم بن عامر بن عوف فأخذوه فربطوه ثم انطلقوا به، فتلقاهم عبد المطلب مقبلا من الطائف معه ابنه أبو لهب يقوده وقد ذهب بصره، فلما نظر إليه حذافة هتف به فقال عبد المطلب لابنه أبي لهب: ويلك ما هذا؟ قال:
هذا حذافة بن غانم مربوطا مع ركب. قال: فالحقهم فاسألهم ما شأنهم. فلحقهم فأخبروه فرجع إلى عبد المطلب فأخبره فقال: ما معك. قال: والله ما معي شئ. قال فالحقهم لا أم لك فأعطهم بيدك وأطلق الرجل. فلحقهم أبو لهب فقال: قد عرفتم تجارتي ومالي وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهبا وعشرا من الإبل وحمرا وفرسا، وهذا ردائي رهنا بذلك. فقبلوا منه فأطلقوا حذافة فأقبل به، فلما سمع عبد المطلب صوت أبي لهب قال: وأبي إنك لعاص ارجع لا أم لك! قال: يا أبتاه هذا الرجل معي فناداه عبد المطلب: يا حذافة أسمعني صوتك. فقال حذافة: هأنذا بأبي أنت وأمي يا ساقي الحجيج أردفني. فأردفه حتى دخل مكة فقال حذافة:
بنو شيبة الحمد الذي كان وجهه * يضئ ظلام الليل كالقمر البدر كهولهم خير الكهول ونسلهم * كنسل ملوك لا قصار ولا خزر لساقي حجيج ثم للخير هاشم * وعبد مناف ذلك السيد الفهر ملوك وأبناء الملوك وسادة * تفلق عنهم بيضة الطائر الصقر متى تلق منهم خارجا في شبابه * تجده على أحراء والده يجري هم ملأوا البطحاء مجدا وسؤددا * وهم نكلوا عنا غواة بني بكر وهم يغفرون الذنب ينقم مثله * وهم تركوا رأى السفاهة والهجر أخارج إما أهلكن فلا تزل * بشيبة منكم شاكرا آخر الدهر والقصيدة أطول مما ذكر وهذه خلاصتها.
وروى البلاذري عن محمد بن السائب أن عبد المطلب أول من خضب بالوسمة لأن الشيب أسرع إليه فدخل على بعض ملوك اليمن فأشار عليه بالخضاب فغير شيبته بالحنة ثم علاه بالوسمة، فلما انصرف وصار بقرب مكة جدد خضابه وقد كان تزود من الوسمة شيئا كثيرا، فدخل منزله وشعره مثل حلك الغراب، فقالت امرأته نتيلة أم العباس: يا شيب ما أحسن هذا الصبغ لو دام. فقال عبد المطلب:
لو دام لي هذا السواد حمدته * وكان بديلا من شباب قد انصرم تمتعت منه والحياة قصيرة * ولا بد من موت نتيلة أو هرم وماذا الذي يجدي على المرء خفضه * ونعمته يوما إذا عرشه انهدم