أجاب عن ذلك عقيل بن أبي طالب بثلاثة أجوبة: الأول أنها أخبارا آحاد فلا تعارض القاطع.
الثاني: قصر التعذيب على هؤلاء والله أعلم بالسبب.
الثالث: قصر التعذيب في هذه الأحاديث على من بدل وغير الشرائع وشرع من الضلال ما لا يعذر به. فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام: الأول من أدرك التوحيد ببصيرته ثم من هؤلاء من لم يدخل في شريعة كقس بن ساعدة (1) وزيد بن عمرو بن نفيل. ومنهم من دخل في شريعة حق قائمة الرسم كتبع وقومه.
الثاني: من بدل وغير وأشرك ولم يوحد وشرع لنفسه فحلل وحرم وهم الأكثر، كعمرو ابن لخي أول من سيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحامي. وزادت طائفة على ما شرعه أن عبدوا الجن والملائكة وخرقوا البنين والبنات، واتخذوا بيوتا جعلوا لها سدنة وحجابا يضاهون بها الكعبة كاللات والعزى ومناة.
الثالث: من لا يشرك ولم يوحد ولا دخل في شريعة نبي، ولا ابتكر لنفسه شريعة ولا اخترع دينا، بل بقي عمره على حال غفلة عن هذا كله. وفي الجاهلية من كان كذلك.
فإذا انقسم أهل الفترة إلى الثلاثة أقسام فيحمل من صح تعذيبه على أهل القسم الثاني بكفرهم بما لا يعذرون به. وأما القسم الثالث فهم أهل فترة حقيقة، وهم غير معذبين للقطع كما تقدم.
وأما القسم الأول فقد قال صلى الله عليه وسلم في كل من قس وزيد: إنه يبعث أمة وحده. وأما تبع ونحوه فحكمهم حكم أهل الدين الذين دخلوا فيه، ما لم يلحق أحد منهم الإسلام الناسخ لكل دين. انتهى. ما أورده الآبي رحمه الله تعالى.
المسلك الثاني: أنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم صلى الله عليه وسلم، كما كان زيد بن عمرو بن نفيل وأضرابه في الجاهلية. ومال إلى هذا المسلك الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى. وزاد أن آباءه صلى الله عليه وسلم كلهم إلى آدم كانوا على التوحيد.
كما قال في كتابه " أسرار التنزيل " ما نصه: قيل إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل كان عمه.
واحتجوا عليه بوجوه. منها: أن آباء الأنبياء ما كانوا كفارا. ويدل عليه وجوه. أحدهما: قوله تعالى: (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين). قيل معناه: أنه كان ينقل نوره من