الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١١٣
كل فريق بعد صلاة الفجر استعدادا للقتال وكان مع الحسين اثنان وثلاثون فارسا (1) وأربعون رجلا بما فيهم 18 من أبناء عمومته وفي اللحظة الأخيرة وقع حادث مشجع له هو أن الحر بن يزيد عدل إلى الحسين وقاتل معه كفارة عن مسلكه السابق. وسبق القتال كلام وخطب الحسين في أعدائه وهو راكب جملا إلى أن انطلق سهم لم يصبه فتوقف عن الخطبة وتلا رمي السهام القتال بالسيوف وودع أصحاب الحسين صاحبهم على موعد اللقاء في الجنة قبل أن يدخل كل منهم المعركة الواحد بعد الآخر ولم يكن من غاية له إلا رجوع جيش ابن زياد عن الظلم وأن يبلغوه مأربه.
والمتأمل لرواية أبو مخنف حول مقتل الحسين يجدها كلها حوار ومناظر وإن خلت من التصوير الدارمي وليس فيها شئ غير مقرون باسم فاعله فكل رسول وكل عبد وكل عامل عمل عملا وكل من يقول شيئا أو يفعل فعلا بل كل من يشهر سيفا أو ينظفه - كل هؤلاء تذكر أسماؤهم. ولا يستطيع المرء بالنظرة الأولى أن يستوعب هذه الغابة الكثيفة الأشجار فالتفاصيل فيها تضرب في كل ناحية وتتشعب كل التشعب. فيذكر - مثلا - عن المظهر الخارجي للحسين أنه كان عليه (نصلان قد انقطع شسع أحدهما) (2) وكانت اليسرى وقد حشدت في الرواية أخبار جزئية مستقلة بعضها عن بعض وكثيرا ما تجري موازية بعضها لبعض مما يؤدي إلى إطالة السرد ولم يكن أبو مخنف أول من جمع هذه الأخبار كلها بل هو يذكر أسلافا له وزملاء فعلوا ذلك قبله فتكون عن ذلك نوع من الاجماع (الطبري 2 / 314 س 7). على أنه لا يفصله غير جيل واحد عن أولئك الذين عاشوا هذه الاحداث. وتسلسل الروايات الجزئية عنده موجز جدا كما هو شأن الأسانيد الصحيحة القديمة - أما السلاسل الطويلة المتأخرة فليست إلا مظهرا شكليا وطريقة مصطنعة اتخذها الكتاب المتأخرون. والراوي الذي ينقل عنه إنما تلقى الخبر من شاهد عيان حضر الحادثة المروية أو على الأقل يعتمد على شاهد عيان.
وشهود العيان علي نوعين: فمنهم من كانوا في صف الحسين من عبيد

(1) في رواية الدهني (ص 281) والحصين (ص 286) يذكر عدد أكبر من ذلك.
(2) (ما أنسى أنها اليسرى) هكذا يقول الذي شهدهما (الطبري 2 / 358 س 8).
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 119 ... » »»
الفهرست