الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١١٥
حارب ضد الحسين بعد أن كان هو أحد الذين دعوه إلى الكوفة. ولم يكن جمهور أهل الكوفة حريصا على مساعدة الحكومة ولكنه مع ذلك لم ينضم إلى صف أعدائها. وحتى أولئك الذين بعثوا بالكتب إلى الحسين وأقسموا على الاخلاص له تخلوا عنه في المحنة ولم يقدموا له يد المعونة وقصارى ما فعلوه أنهم راقبوا المعركة من بعيد ومصرعه الأخير ثم بكوا. وقليلون جدا هم أولئك الذين تجاسروا على اللحاق به ومشاركته في مصيره مثل أبي ثمامة الصائدي خازن بيت المال وابن عوسجة. وعدا هذا فإن بعض الذين شاركوه في مصرعه إما أنهم كانوا من أولئك الذين التقطهم عرضا في الطريق أو من أولئك الذين دفعتهم الحمية الانسانية في اللحظة الأخيرة إلى الانضمام إليه وإن لم يكن لهم من قبل شأن به أو لم يكونوا من شيعته. وقد أبرز المؤرخون هذا التعارض بين المكلفين الذين لم يعملوا شيئا وبين غير المكلفين الذين أخجلوا الأولين أبرزوه وعرضوه أحيانا عرضا دراميا (1).
ومما هو جدير بالاعتبار أن الأنصار أيضا لا القرشيون وحدهم قد تخلوا عن الحسين. فلم يخرج من المدينة واحد منهم معه ولم يكن منهم بين شيعة الكوفة إلا أفراد قلائل جدا. والثورة التي قامت في المدينة سنة 63 ه‍ لم تكن من أجل آل علي كما أن عليا بن الحسين نفض يديه منها.
وفي مقابل الجبناء وغير المخلصين كان أعداء الشيعة الصرحاء وهم أتباع حكومة بني أمية وموظفوها ولم يكن الجدال يدور حول أمور دينية إيمانية (2) بل حول مسألة عملية هي: هل تجب الطاعة لأولي الامر أو الثورة عليهم والانضمام إلى الحسين؟ وليس بمنكر أن (أهل الطاعة) كانوا يحسبون مسلكهم هو الصحيح

(1) ابن زهير بن القين وعزرة بن قيس (الطبري 2 / 318 وما يليها).
(2) كان الكل يعترفون بفضل آل الرسول على سائر القبائل العربية (الطبري 2 / 331 س 8 ص 342 س 16 ص 350 س 14 وما يليه). والكلمة (جاهلي) altglaubig التي يلذ لاوجست ملر Muller. A استعمالها فيما يتصل بهذا العصر لم يكن لها معنى قارن (2 / 556 س 4) حيث يسمى الشيعة أعداءهم للتمييز عن (أهل دعوتهم).
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 119 120 121 ... » »»
الفهرست