الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١٠٩
ثم جاء دور هانئ ولم ينجه وعد الاشراف. جئ به إلى السوق ويداه مشدودتان إلى ظهره. ودعا بني قومه فلم يجبه أحد. هنالك فك قيده وبحث عن سلاح ولكن عبثا ورفض أن يمد عنقه لتضرب قائلا: (ما أنا بها مجد سخي وما أنا بمعينكم على نفسي). فضربه مولى تركي لعبيد الله بن زياد مرتين فقتله كذلك قتل واحد أو اثنان آخران وكان ذلك في ربع قبيلتهم إمعانا في الاذلال. وأرسل عبيد الله رأسي مسلم وهانئ إلى الخليفة يزيد ورسالة قصيرة كتبها بيده لأنه لم يرض بأسلوب كاتبه عمرو بن نافع المسهب المنمق وعمرو بن نافع قد أراد إدخال الأسلوب الفارسي المسهب (وكان أول من أطال في الكتب). ووافق يزيد بن معاوية على مسلك عبيد الله ولكنه طلب منه ألا يقتل من قاتله.
وكان مسلم بن عقيل قد كتب إلى الحسين قبل مقتله بشهر تقريبا يطلب إليه القدوم ففي اليوم الذي خرج فيه مسلم وقام بالثورة كان على الحسين الانتقال من مكة وذلك في الثامن من ذي الحجة سنة 60 ه‍ (1). وترقب الناس الحادث المنتظر بصبر متوتر وراح الابن الورع لعمرو بن العاص يفيض في التنبؤات في هذا الصدد وبينما اغتبط ابن الزبير برحيل ابن بنت رسول الله من مكة (2) كان المخلصون ينصحونه بالعدول. ولكنه لم يستمع لنصحهم بل مضى في طريقه قدما وصحبه أقرب أقربائه ومعهم الأهل والأبناء وكذلك كان معهم أبناء عبد الله ابن جعفر ولكن لم يكن فيهم واحدا من بني العباس (ثم إن الحسين أقبل حتى مر بالتنعيم فلقي بها عيرا قد أقبل بها من اليمن بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية وكان عامله على اليمن وعلى العير الورس والحلل ينطلق بها إلى يزيد. فأخذها الحسين فانطلق بها) (الطبري 2 / 277) ثم مضى في الطريق إلى الكوفة فمر بذات عرق وبالحاجر (من بطن الرمة) وزرد والثعلبية حتى انتهى إلى زبالة. وانضم إليه نفر قليل من أهل الكوفة العائدين من الحج انضموا مكرهين لما أن دعاهم إلى ذلك ولكنهم بقوا معه بعد ذلك مخلصين. وفي مواضع المياه التي أقام بها في الطريق تبعه عدد كبير من البدو وظن أنه سيستقبل

(1) 9 سبتمبر سنة 680 هكذا ورد في رواية أبي مخنف في الطبري (2 / 271 س 17).
(2) هذا يرجع إلى الكراهية الشديدة بين آل الزبير وآل علي وأصولها تعود إلى أمور أسبق.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»
الفهرست