الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١١٦
ولكن كان ثم من يستنكر موقفهم ولا يعترف بالحجج التي يتعللون بها وكانت الأهواء الحزبية تعبر عن نفسها بالوسائل البيانية والمبالغات التصويرية السهلة التمييز أكثر منه عن طريق التضليل وتزييف الوقائع. ولهذا تتميز الروايات القديمة كما نجدها عند أبي مخنف من الروايات المتأخرة والأولى أفضل بكثير جدا. وعلى الرغم مما فيها من ألوان الأساطير فإنها لا تحجب عنا المادة التي بفضلها نستطيع أن نكون أحكاما سليمة. فعمر بن سعد يراجعه ضميره في مسلكه بإزاء الحسين ولهذا ينظر إليه بنوع من الرقة بينما نحن نراه شخصا يثير السخط لأنه تجاوز اعتبارات ضميره لا لشئ إلا ليحتفظ بما وعد به من ولاية أما شمر فلا ضمير له ينطر إلى الحسين على أنه مثير للفتنة والاضطراب لهذا انقض عليه بغير تردد ومن هنا يسود شعور سابق ضده لا نرانا ملزمين بالمشاركة فيه.
وعلى كل حال فتصوير أبي مخنف له لا يكشف عن أنه كان مجرد جلف أو جاهلي صريح ملئ بالكراهية لآل بيت الرسول (1) ذلك لأنه مثلا قد احترم قداسة المعسكر (الذي فيه الحسين والنساء) ولم يهاجم الحسين إلا بعد أن أبعده عن المعسكر. أما أبغض الناس إلى أبي مخنف فهو عبيد الله بن زياد ولكنه يصوره لنا بصورة تدعو إلى الاعجاب به: وليس أكبر من هذا مدحا له. فهذا الوالي قد أرغم الكارهين على أن يكونوا في خدمته وبقليل من الوسائل ولكن بنظرة ثاقبة ويد قوية عرف كيف يحل الصعاب التي اعترضته في طريق وعر حافل بالمتاعب.
فأدى واجبه ولم يتجاوز مطلقا حدود هذا الواجب. نعم قد يأخذ عليه المرء أنه في أثناء غضبه صفع هانئا على وجهه. والحسياسية التي ارتكبت بشأن رأس الحسين لم يرتكبها هو بل يزيد بن معاوية وربما كانت الروايات قد عاملت يزيد بن معاوية برفق أكبر جدا مما يستحق. فإنه إذا كان مقتل الحسين جريمة. فالمجرم الأكبر فيها يزيد. لأنه هو الذي بعث عبيد الله للقيام بإجراءات قاسية وكانت النتيجة مرضية جدا ليزيد واعتبط لها أيما اغتباط فإن كان قد غضب على خادمه (عبيد الله) من بعد (الطبري 2 / 435 وما يليها). فما كان ذلك إلا تطبيقا لامتياز الحاكم الاعلى

(1) ملر (1 / 363). وفي صفين حارب شمر في صف علي ضد معاوية بشجاعة (الطبري 1 / 3305).
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 119 120 121 122 ... » »»
الفهرست