عليا وسائر القوم: أعني أن يتوبوا بالافعال - وهو أمر ظهر جليا في كل مناسبة عرضت. وإلا فلو لم يكن الحال على هذا النحو ولم تكن نتائج الاعمال المستمرة أبدا هي علامة الخوارج - لكان عدوهم الألد مالك الأشتر من أحق الناس بلقب الخوارج لأنه وحده لم يدع نفسه ينساق في الضلال واحتج على التحكيم مع أهل الشام واقتصر على هذا! وأخيرا لا تقتصر الروايات المنقولة على القول إجمالا إن الخوارج نبتوا من بين طبقة القراء بل تذكر أسماء على سبيل التحديد. فإن مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن الحسين الطائي وقراء آخرين قد حملوا عليا على الصلح مع أهل الشام وأنذروه بأن يكون مصيره مصير عثمان إذا لم يوافق على اتخاذ كتاب الله حكما في الامر - وهذان الرجلان قد صارا فيما بعد أشد الخوارج حماسة وحمية. فهذه الواقعة المحددة لا يمكن تفنيدها بافتراضات وتخمينات لا أساس لها من حيث المضمون الباطن.
* السبئية.. أصل الخوارج:
وهنا لابد من الإشارة بإيجاز شديد إلى رأي تجدد القول به حديثا يرمى إلى البحث عن أصول الخوارج لدى فرقة السبئية اقتفاء لاثر سيف بن عمر. ذلك أن قادة الخوارج الأول أو بعضا منهم على الأقل كانوا يعارضون ولاة عثمان وعثمان نفسه واشتركوا جميعا في المسؤولية عن مقتل عثمان بل فاخروا بهذا الاشتراك: إذن لابد - في رأي سيف - أن يكونوا من السبئية. وهو يذكر بعضا منهم صراحة ممن خرجوا في حروراء والنهروان ومنهم ابن ملجم - أما الأشتر فيسقط من حسابه والحق أن التلقيب بلقب السبئية إنما كان يطلق على الشيعة وحدهم واستعماله الدقيق ينطبق على غلاة الشيعة فحسب ولكنه كان كلمة ذم تطلق على جميع الشيعة على السواء (1). والخوارج أنفسهم كانوا ينعتون خصومهم الشيعة في الكوفة بنعت (السبئية) تحقيرا وذما لهم (الطبري) (2 / 43 س 13)