الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١٣٨
حتى كانت ترن رنين مياجن قصارى دار الوليد بن عقبة بن أبي معيط - كما يقول راو قديم. وخجلت الروايات العربية من ذكر أسماء هؤلاء الابطال. وبقي إبراهيم يرقب حركات أهل الشام في الموصل بينما غزا أخوه لامه نصيبين (1) ودارا وسنجار.
كان المختار في الذروة وكان أيضا أمام الهاوية. فالشيعة العرب من الجيل القديم كانوا لا يثقون به حتى اعتزلوه جانبا فلم يكن أمامه إلا المتعصبون والموالي فانحاز إلى جانبهم ضد حرب العصبية العربية. لقد كان المتعصبون والموالي شديدي الاعجاب بقوة شعوره بذاته والصورة الرائعة التي ظهر عليها هذا الشعور (2). وإنا لنسمع عن منظر مثير حدث لما أن صحب إبراهيم إلى الفرات.
فقد تدافع غلاة الشيعة عند الجسر الذي أراد المرور عليه حتى اضطر إلى اتخاذ طريق آخر وكانوا قد أعدوا له كرسيا مقدسا يحمل على بغل ويقوم على سدانته سادن وحول هذا الكرسي كانوا يتراقصون ويتواثبون بحماسة وجنون وهم يسألون الله النصر وكانوا في هياج مفهوم سببه الارتحال والخطر الشديد اللذان كانا على وشك مواجهته وبدا هذا للعقلاء حمقا وجنونا ويبدو أن المختار نفسه لم يكن مسؤولا عن ذلك ولكنه لم يشأ أن يفسد على هؤلاء لذتهم إذ لم يكن في وسعه الاستغناء عن مساعدتهم فهم الذين كانوا يخوضون النار من أجله.

(1) صمد الخشبية في نصيبين (بزعامة أبي قارب) مدة أطول - راجع (الأغاني) (5 / 155).
(2) بعد ارتحال إبراهيم ذهب المختار للقائه في الطريق فلما جاز ساباط تنبأ لأصحابه فقال: إن شرطة الله (أي جيش إبراهيم بن الأشتر) قد حسوهم بالسيوف يوما إلى الليل بنصيبين أو قريبا من نصيبين ودوين منازلهم إلا أن جلهم بنصيبين (الطبري ص 715). ولما بلغ المدائن وصله أول رسل تنبئه بالنصر وكان على المنبر فقال: يا شرطة الله ألم أبشركم بهذا قبل أن يكون؟ قالوا: بلى والله لقد قلت ذلك! (ص / 715 - 716) فسئل الشعبي: أو لا تزال لا تؤمن بأن المختار يعلم الغيب؟ فأجاب الشعبي: لا أؤمن بذلك أبدا... إنما زعم لنا أنهم هزموا بنصيبين من أرض الجزيرة وإنما هو بجازر من أرض الموصل) (الطبري 2 / 716) ولكن السائل لم يكن يحفل بهذا التدقيق.
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست