المؤونة (1) وكان المختار يسيطر على القصر والمدينة الداخلية وكان معه عدة آلاف من الموالي ومئات قليلة من العرب أما غالبية العرب فقد تسللوا إلى أسرهم. وكانت النسوة يحملن إليه الماء. ولكن بدأت هيبته في الزوال وكان يلقى عليه الماء النجس حينما يمر خلال الطرقات وأخيرا رأى نفسه محصورا في القصر دون ماء ولا زاد وبعد استمرار الحصار أربعة أشهر (2) - والحصار هنا يقصد به القتال في الشوارع - طلب من أصحابه أن يشقوا طريقهم بالقوة. ولكن عبثا لقد رفضوا وفضلوا أن يسلموا أنفسهم لرحمة العدو أو بطشه هنالك خرج المختار في تسعة عشر رجلا فضارب بسيفه حتى قتل وذلك في 14 رمضان سنة 67 ه (3 أبريل سنة 687 م) وكان عمره إذ ذاك سبعا وستين سنة.
وقتل مصعب جميع الذين سلموا ويتراوح عددهم فيما يذكرون بين الستة والثمانية آلاف. لقد أطلق مصعب العنان لانتقام أشراف الكوفة الذين أرادوا الثأر لدماء آبائهم وأقربائهم من الموالي فاستحق من أجل ذلك أن يلقب بلقب الجزار).
ويروى أن مصعب لقي عبد الله بن عمر فسلم عليه وقال له: أنا ابن أخيك مصعب فقال له ابن عمر: نعم! أنت قاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة! عش ما استطعت! فقال مصعب: إنهم كانوا كفرة سحرة. فقال ابن عمر: والله لو قتلت عدتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا) (الطبري 2 / 745). ولكن أفظع أمر أثار السخط على مصعب هو قتله لزوجة المختار عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري وقد أبت حتى اللحظة الأخيرة أن تنكر زوجها بل قالت: إنه كان عبدا من عباد الله الصالحين (3). ثم إن مصعبا أمر بكف المختار فقطعت ثم سمرت بمسمار حديد إلى جنب المسجد (4).