قال ابن إسحاق: وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه - وكانوا أهل بيت إسلام - إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة. فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول - فيما بلغني -:
" صبرا آل ياسر موعدكم الجنة " (1) وقد روى البيهقي عن الحاكم عن إبراهيم بن عصمة العدل، حدثنا السرى بن خزيمة، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام بن أبي عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون فقال: " أبشروا آل عمار وآل ياسر فإن موعدكم الجنة " (2) فأما أمه فيقتلوها فتأبى إلا الاسلام. وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد. قال: أول شهيد كان في أول الاسلام استشهد أم عمار سمية طعنها أبو جهل بحربة في قلبها (3). وهذا مرسل.
قال محمد بن إسحاق: وكان أبو جهل الفاسق الذي يغري بهم في رجال من قريش، إن سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وخزاه وقال: تركت دين أبيك وهو خير منك، لنسفهن حلمك، ولنفيلن (4) رأيك، ولنضعن شرفك. وإن كان تاجرا قال: والله لنكسدن تجارتك، ولنهلكن مالك. وإن كان ضعيفا ضربه وأغرى به لعنه الله وقبحه. قال ابن إسحاق: وحدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير قال: قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال نعم والله! إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي [نزل] به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له، اللات والعزى إلهان من دون الله فيقول نعم! افتداء منهم بما يبلغون من جهدهم.
قلت: وفي مثل هذا أنزل الله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدره فعليهم غضب من الله ولهم عذاب أليم) [النحل: 106] الآية فهؤلاء كانوا معذورين بما حصل لهم من الإهانة والعذاب البليغ، أجارنا الله من ذلك بحوله وقوته. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن خباب بن الأرت. قال: كنت رجلا قينا وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد. فقلت لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت .