ثم ذكر ابن إسحاق: أن الوليد بن المغيرة لما حضره الموت أوصى بنيه الثلاثة وهم خالد وهشام والوليد. فقال لهم: أي بني، أوصيكم بثلاث، دمي في خزاعة فلا تطلوه (1)، والله إني لاعلم أنهم منه براء ولكني أخشى أن تسبوا به بعد اليوم. ورباي في ثقيف، فلا تدعوه حتى تأخذوه، وعقري (2) عند أبي أزيهر الدوسي فلا يفوتنكم به. وكان أبو أزيهر قد زوج الوليد بنتا له ثم أمسكها عنه فلم يدخلها عليه حتى مات، وكان قد قبض عقرها منه - وهو صداقها - فلما مات الوليد وثبت بنو مخزوم على خزاعة يلتمسون منهم عقل الوليد، وقالوا إنما قتله سهم صاحبكم، فأبت عليهم خزاعة ذلك حتى تقاولوا أشعارا وغلظ بينهم الامر. ثم أعطتهم خزاعة بعض العقل واصطلحوا وتحاجزوا.
قال ابن إسحاق: ثم عدا هشام بن الوليد على أبي أزيهر وهو بسوق ذي المجاز فقتله، وكان شريفا في قومه. وكانت ابنته (3) تحت أبي سفيان - وذلك بعد بدر - فعمد يزيد بن أبي سفيان فجمع الناس لبني مخزوم وكان أبو غائبا، فلما جاء أبو سفيان غاظه ما صنع ابنه يزيد فلامه على ذلك وضربه وودى أبا أزيهر وقال لابنه: أعمدت إلى أن تقتل قريش بعضها بعضا في رجل من دوس؟
وكتب حسان بن ثابت قصيدة (4) له يحض أبا سفيان في دم أبي أزيهر، فقال بئس ما ظن حسان أن يقتل بعضنا بعضا وقد ذهب أشرافنا يوم بدر. ولما أسلم خالد بن الوليد وشهد الطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله في ربا أبيه من أهل الطائف؟.
قال ابن إسحاق: فذكر لي بعض أهل العلم إن هؤلاء الآيات نزلن في ذلك: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) [البقرة: 278] وما بعدها.
قال ابن إسحاق: ولم يكن في بني أزيهر ثأر نعلمه حتى حجز الاسلام بين الناس، إلا أن ضرار بن الخطاب بن مرداس الأسلمي (5) خرج في نفر من قريش إلى أرض دوس فنزلوا على امرأة يقال لها أم غيلان مولاة لدوس، وكانت تمشط النساء وتجهز العرائس، فأرادت دوس قتلهم بأبي أزيهر فقامت دونه أم غيلان (6) ونسوة كن معها حتى منعتهم. قال السهيلي: يقال إنها أدخلته بين درعها وبدنها.