البداية والنهاية - ابن كثير - ج ٣ - الصفحة ١١٢
فأنزل الله: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتنا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) [الفرقان: 27 - 28] والتي بعدها. قال ومشى أبي بن خلف بعظم بال قد أرم (1). فقال: يا محمد أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم، ثم فته بيده ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: نعم! أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإياك بعدما تكونان هكذا ثم يدخلك النار. وأنزل الله تعالى: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) [يس: 78 - 79] إلى آخر السورة. قال واعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني وهو يطوف عند باب الكعبة - الأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل [وكانوا ذوي أسنان في قومهم] (2). فقالوا: يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الامر. فأنزل الله فيهم:
(قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) إلى آخرها. ولما سمع أبو جهل بشجرة الزقوم.
قال: أتدرون ما الزقوم؟ هو تمر يضرب بالزبد ثم قال هلموا فلنتزقم فأنزل الله تعالى: (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) [الدخان: 43 - 44] قال: ووقف الوليد بن المغيرة فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه وقد طمع في إسلامه فمر به ابن أم مكتوم (3) - عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة - الأعمى فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يستقرئه القرآن، فشق ذلك عليه حتى أضجره، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد، وما طمع فيه من إسلامه، فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا، وتركه (4) فأنزل الله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) إلى قوله:
(مرفوعة مطهرة) وقد قيل إن الذي كان يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه ابن أم مكتوم أمية بن خلف فالله أعلم (5).

(1) أرم: بلى.
(2) ما بين معقوفتين من ابن هشام.
(3) وكان اسمه عبد الله وقيل عمرو.
(4) الخبر في سيرة ابن هشام ج 1 / 389 وما بعدها.
(5) ذكر البيهقي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث الزهري والأسود بن المطلب أبو زمعة والحارث بن عنطلة السهمي والعاص بن وائل.
- فالأسود بن عبد يغوث بن وهب بن زهرة، ابن خال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البلاذري عنه: " كان إذا رأى المسلمين قال لأصحابه: قد جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى وقيصر، ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أما كلمت اليوم من السماء يا محمد.
- أما الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى فكان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام شق عليه فدعا عليه أن يعمي الله بصره ويثكله ولده.
- الحارث بن قيس السهمي ابن العنطلة: نسب إلى أمه، نزل فيه في قول: " أرأيت من اتخذ إلهه هواه " لأنه كان يعبد حجرا فإذا رأى حجرا أحسن منه تركه وأخذ الأحسن.
كان يقول: لقد عز محمد نفسه وأصحابه أن وعدهم أن يحيوا بعد الموت والله ما يهلكنا إلا الدهر والاحداث ومرور الأيام.
- العاص بن وائل السهمي.
قال الجمهور ومنهم ابن عباس في أكثر الروايات عنه: المستهزئون كانوا خمسة وقال في رواية كانوا ثمانية: وقد عدهم البيهقي كما ذكرنا خمسة أما الثلاثة فهم: مالك بن الطلاطلة بن عمرو بن غبشاف ذكره ابن الكلبي والبلاذري وكان سفيها فدعا عليه رسول الله واستعاذ بالله من شره.
وذكر البلاذري ممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو الأصداء، وكان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعلمك أهل الكتاب أساطيرهم ويقول للناس هو معلم مجنون فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لعلى جبل إذا اجتمعت عليه الأروى فنطحته حتى قتلته.
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»
الفهرست